نقطة: الحرامي الذي لا يشبع
ازدياد أعداد الحرامية ليس مشكلة الكويت، مشكلة الكويت الجوهرية أن حراميتها من الصنف الذي لا يشبع ولا يملأ عينه إلا التراب، وهذه المعلومة أيضاً مشكوك في صحتها لسببين رئيسيين، أولهما أن عيون حرامية الكويت قوية بما يكفي لتتحمل رمال الجزيرة العربية وجبالها، والسبب الآخر أننا قد لا نجد تراباً وطنياً يكفي عيون الحرامية والنهابين الحاليين والمستقبليين، بعد أن سرقه حرامي البلدية وباعه مقابل الملايين.كل العالم مبتلى بالفاسدين واللصوص وذوي الياقات البيضاء، والمعدلات تتفاوت من بلد لآخر، لكن ما يميزنا عن الدنيا وما فيها أن بلوتنا وقحة وجريئة، فلا تستحي ولا تخاف، فكل فاسد أو لص محترم في الكرة الأرضية يحلم بأن يضرب ضربة العمر ويختفي هرباً من قبضة العدالة ونظرة المجتمع، ليعيش ويستمتع بما كسبت يداه بقية عمره في جزر العذراء أو المكسيك مثلاً، وأظن أن الميزانية العامة في دولة الكويت كان بإمكانها تحمل مثل هذا النوع من الضربات السريعة الخاطفة بكل سعة صدر وامتنان، وبما يكفي جميع الأجيال المتعاقبة من العصابات المحلية والمستوردة، وهذا ما لم يستوعبه بعض اللصوص في بلدي من الذين استمرأوا النهب والاستمرار فيه إلى أن لفت طمعهم ورغبتهم في التباهي النظر إليهم.
فلو أنهم أتعبوا أنفسهم ودرسوا أرض الجريمة جيداً، مع قراءة تاريخ قضايا الفساد والأموال العامة فيها، واتصفوا ببعض القناعة والرضا بالقليل من الملايين، ما كنا اكتشفنا قضايا غسل الأموال الحالية، وشبكة "العم" شهيد الإسلام، وغيرها من القضايا المتفرقة هنا وهناك، ولاستفادوا من دروس الماضي القريب بأن أغلب قضايا الفساد والسرقات والاختلاسات العامة السابقة منذ الناقلات، مروراً بالتأمينات وضيافة الداخلية، قد كشفها الجشع والرغبة في شرب البئر كلها، لا فطنة ونباهة رجال الشرطة أو أجهزة الرقابة والتفتيش التي تناسلت وتشعبت حتى أصبحت كأذرع أخطبوط أعمى، فلا هو القادر على صيد أحد من الحرامية، ولا نحن القادرون على اصطياده وحماية المال العام بتوفير رواتب مفوضيه ومديريه ومستشاريه إلى ما لا نهاية من المناصب والمسميات، والكل مازال يسبح يومياً بسلام واطمئنان في هذه البحيرة الصغيرة، نحن واللصوص الوقحون والأخطبوط الضرير.