مصر أمام عام قبل «لحظة الحقيقة» في أزمة سد النهضة
القاهرة تعلن فشل المفاوضات وتنال «دفعة» أميركية... وأديس أبابا تبدأ «الملء» بعد 10 أيام
فشلت جولة المفاوضات الأخيرة، على ما يبدو، حول «سد النهضة» الإثيوبي بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم. وفي ظل عدم التوصل إلى اتفاق تنفذ إثيوبيا تهديداتها وتبدأ ملء بحيرة السد بعد 10 أيام، وقال الخبراء إنه أمام مصر عام حاسم في هذا الملف قبل حلول موعد الملء المقبل.
على صخرة "التعنت الإثيوبي" تحطمت سفينة مفاوضات مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، أمس، وانتهى عقد كامل من التفاوض إلى تبادل اتهامات، لتدخل أزمة السد المنعطف الأخطر بعدما باتت الأمور على المحك مع نية أديس أبابا بدء الملء المنفرد لبحيرة السد بعد عشرة أيام، في وقت تدرس القاهرة خياراتها للحفاظ على حقوق أكثر من 100 مليون مصري في مياه النيل، مما ينذر بتفجر أكبر أزمة إفريقية في القرن الواحد والعشرين.جولة المفاوضات الأخيرة بين وزراء المياه في الدول الثلاث التي انطلقت في التاسع من يونيو الجاري، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا، في محاولة أخيرة للبحث عن حل لأزمة سد النهضة، انتهت بتسجيل علامة فشل كاملة، إذ أعلن وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي في الساعات الأولى من صباح أمس، فشل جولة المفاوضات التي استمرت عشرة أيام.
أسباب الفشل
الوزير المصري اتهم أديس أبابا بـ "التعنت على الجانبين الفني والقانوني، إذ رفضت إثيوبيا خلال مناقشة الجوانب القانونية أن تقوم الدول الثلاث بإبرام اتفاقية ملزمة وفق القانون الدولي، وتمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لإثيوبيا تعديلها بشكل منفرد".وتابع أن "إثيوبيا سعت إلى الحصول على حق مطلق في إقامة مشروعات في أعالي النيل الأزرق، فضلاً عن رفضها الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما اعترضت على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فعالية لمجابهة الجفاف".وأشار إلى أن إثيوبيا اعترضت في ختام اجتماعات وزراء الري مساء الأربعاء الماضي، "على اقتراح بأن تتم إحالة الأمر إلى رؤساء وزراء الدول الثلاث كفرصة أخيرة للنظر في أسباب تعثر المفاوضات والبحث عن حلول للقضايا محل الخلاف، مما أدى إلى إنهاء المفاوضات"، موجهاً الشكر للمبادرة السودانية للدعوة لهذه الاجتماعات ومساعي الخرطوم الجادة لدعم المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق.انهيار سريع
وكان وزير الري السوداني ياسر عباس، تحدث عن وجود خلافات لكنه تمسك بالمسار التفاوضي، وقال في مؤتمر صحافي أمس الأول، إن الخلافات في الجوانب القانونية كشفت عن خلافات مفاهيمية حقيقة بين الأطراف الثلاثة حول عدد من القضايا على رأسها مدى إلزامية الاتفاق، وآلية حل النزاعات وعدم ربط الاتفاق بأي اتفاقيات أخرى، لافتاً إلى طلب الوفد السوداني إحالة الملفات الخلافية لرؤساء الوزراء في الدول الثلاث للوصول لتوافق سياسي بشأنها.لكن حديث الوزير السوداني لم يتطرق إلى نقطة رفض الوفد الإثيوبي فكرة إحالة الملفات الخلافية لرؤساء وزراء الدول الثلاث، على خلاف نظيره المصري.إعلان أميركي
ودخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط الأزمة التي تهدد استقرار شرق إفريقيا، إذ دعا مجلس الأمن القومي الأميركي، مساء أمس الأول، إثيوبيا إلى إبرام صفقة عادلة مع دولتي المصب، وكتبت الصفحة الرسمية لمجلس الأمن القومي على موقع "تويتر": "257 مليون شخص في شرق إفريقيا يعتمدون على إثيوبيا لإظهار قيادتها القوية لإبرام صفقة عادلة. تم حل المشكلات الفنية فحان الوقت لإنجاز اتفاقية سد النهضة قبل ملئه بمياه نهر النيل". واستقبلت القاهرة بارتياح الموقف الأميركي .تحركات متوقعة
من جهته، حلل رئيس وحدة دراسات النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان، لـ "الجريدة"، الأحداث المتلاحقة خلال اليومين الماضيين، قائلاً: "المفاوضات فشلت بشكل كامل وكلي في الجانب الفني والقانوني، بسبب التعنت الإثيوبي الذي يرغب في توقيع اتفاقية غير ملزمة، وهو ما يعني عبثية المفاوضات، لأن معنى توقيع اتفاقية غير ملزمة هو أن يترك لإثيوبيا حرية التحرك دون أي قدرة مصرية أو سودانية للمطالبة بحقوقهما".وتابع رسلان: "رغم أن المفاوضات فشلت فإن هناك بعض المكاسب العربية، فلأول مرة نشاهد هذا الموقف الموحد بين مصر والسودان، وهي نقطة مهمة جدا تؤكد على وحدة دولتي المصب".وعن سيناريوهات التحرك المصري أفاد: "أصبحت كل المسارات الدبلوماسية والقانونية مفتوحة أمام صانع القرار المصري، سواء باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي أو غيرها من الإجراءات بحسب ما يقتضيه الأمر، ونحن أمام مسارين، الأول أن تتراجع أديس أبابا وتعمل على غطاء يحفظ ماء الوجه لتوقيع اتفاقية ملزمة".وحول المسار الآخر، شرح رئيس وحدة دراسات النيل: "إذا بدأت إثيوبيا في الملء في يوليو أي بعد أيام قليلة، فمن المتوقع أن تكون الكمية المحجوزة 4.9 مليارات متر مكعب، وهي كمية ضئيلة ولا تؤثر على مصر والسودان، وذلك لأن الجزء الأوسط من السد لم يتم الانتهاء منه بعد، وهنا سيكون أمام مصر عام كامل تصعد فيه إجراءاتها حتى موعد الملء القادم في يوليو 2021، فالأزمة الآن في هذه اللحظة سياسية وليست فنية".