قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، كشفت مقتطفات من الكتاب المرتقب لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون فضائح أداء وسياسات الرئيس دونالد ترامب، معتبراً أن الأخير غير كفء ولا يصلح أن يكون رئيساً.وجاء في الكتاب أن ترامب طلب المساعدة من نظيره الصيني شي جينبينغ للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات عام 2020، واتهمه بأنه عرض مساعدة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تحقيقات وزارة العدل حول خرق «خلق بنك « للعقوبات الأميركية على إيران.
ومع إلقاء حملة الرئيس الجمهوري بثقلها لجعل الصين قضية مركزية في انتخابات نوفمبر، ذكر بولتون، في كتابه المكون من 500 صفحة، أن ترامب خلال قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية في يونيو 2019، «حوَّلَ محادثته مع شي بشكل عجيب إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، ملمّحاً إلى قدرات الصين الاقتصادية للتأثير في الحملات الجارية، وملتمساً منه أن يضمن فوزه». وفي مقتطفات للكتاب نشرتها شبكة «سي إن إن» وصحف «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، وصف بولتون علاقة ترامب بشي بأنها «مدعومة بالتملق الشخصي، ومدفوعة بالطموح السياسي، بدلاً من السياسة، إذ اعتبره الأعظم في تاريخ الصين»، مشدداً على أهمية المزارعين الأميركيين وكيف أنّ «زيادة الصين مشترياتها من فول الصويا والقمح» يمكن أن تؤثر في نتيجة الانتخابات.وقال السياسيّ المحافظ المثير للجدل، الذي أمضى 17 شهراً مستشاراً للأمن القوميّ قبل استقالته في سبتمبر الماضي، «كنت أودّ أن أطبع كلمات ترامب نفسها، لكنّ عملية المراجعة الحكومية المسبقة للنشر قرّرت عكس ذلك».وعلى عكس انتقاد الرئيس بشدة للاحتجاز الجماعي لأقلية الإيغور المسلمة وتوقيعه، أمس الأول، تشريعاً لفرض عقوبات على الصين، اتهم بولتون ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشي في أوساكا بأنه لم تكن لديه مشكلة تجاه هذه القضية وأن بناء المعسكرات هو السياسة المناسبة. ولفت بولتون إلى أن ترامب قال إنه «لا يريد التورط» بالاحتجاجات الضخمة المؤيدة للديمقراطية والحكم الذاتي في هونغ كونغ، بحجة أن لدى أميركا «مشاكل تتعلق بحقوق الإنسان أيضاً».
مساعدة إردوغان
وسلط بولتون في كتابه، الضوء على استعداد ترامب للتدخل في التحقيقات الجنائية و«عرقلة العدالة لتقديم خدمات شخصية لحكام ديكتاتوريين يعجبونه»، مشيراً إلى أنه تسلم من إردوغان في 2018 مذكرة صادرة عن مؤسسة قانونية تمثل بنك «هالك بنك» وقام بتصفحها سريعاً وأكد أنه يؤمن بأن هذا البنك، الذي تحقق وزارة العدل في خرقه العقوبات الأميركية على إيران، بريء تماماً من ذلك.وبحسب كتاب بولتون «المليء بالمعلومات السرية»، فإن ترامب قال لإردوغان: «سأهتم بالأمور»، موضحاً له بأن المدعين العامين في المقاطعة الجنوبية «ليسوا أناسه ولكنهم أناس باراك أوباما» الرئيس الأميركي السابق وأن المشكلة ستحل عندما يتم استبدالهم ووضع المقربين منه عوضاً عنهم.ومن ضمن المواقف، أكد بولتون أن «ترامب سأل مستشاريه قبل قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي إن كانت فنلندا جزءاً من روسيا»، موضحاً أنه في طريقه إلى الاجتماع توقف ليلتقي رئيسة الوزراء البريطانية (السابقة) تيريزا ماي، وخلال اللقاء تطرق مستشار الأمن القومي البريطاني إلى قضية تسميم عميل الاستخبارات المزدوج سيرغي سكيربال ووصف ذلك بأنه هجوم ضد قوة نووية. وقال بولتون. «وحينها، سأل ترامب أه... هل أنتم قوة نووية؟ وهو سؤال كنت أعلم أنه لم يكن بنية المزاح».وبينما شكك بولتون بأهلية ترامب في مقارعة بوتين بقضايا الأمن الاستراتيجي وفي قدرته على معالجة قضايا الأمن الدولي، وسخر من قلة خبرته في إبرام المعاهدات الاستراتيجية، أشار إلى خلطه في العديد من المرات بين الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس السابق حميد كرازاي.ويصور كتاب بولتون، الذي يقدم ذريعة جديدة لمنتقدي ترامب قبل انتخابات الرئاسة في الثالث من نوفمبر، رئيساً يسخر منه كبار مستشاريه ويعرّض نفسه لاتهامات بعدم الأهلية أشد بكثير من تلك التي دفعت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون للسعي لمساءلته وعزله العام الماضي.جرائم كبرى
وإذ اعتبر بولتون في وصفه لحلقات عدّة من سلوكيات ترامب، أنّ «إعاقة العدالة بدت كأنّها أسلوب حياة لم نتمكّن من تقبّله»، اتهم بولتون الديمقراطيّين بسوء التصرّف في حصر اتّهام ترامب بشكلٍ ضيّق بأوكرانيا، في وقتٍ كانت تجاوزاته الشبيهة بما فعله معها موجودةً على نطاق سياسته الخارجية بالكامل.وكتب بولتون: «لو لم يُركّز مجلس النواب على الجوانب الأوكرانيّة وحسب في تضارب المصالح الشخصيّة لترامب لكانت هناك فرصة أكبر لإقناع الآخرين بأنّ جرائم كبرى وجنحاً قد تمّ ارتكابها».واستشهد بولتون، الذي رفض الإدلاء بشهادته خلال محاكمة العزل في مجلس الشيوخ في ديسمبر الماضي، بعدد لا يحصى من محادثات أبدى فيها ترامب «سلوكاً غير مقبول على الإطلاق على نحو قوض شرعية الرئاسة ذاتها».ورغم انتقاداته العلنية للإعلام، نسب كتاب بولتون إلى ترامب قوله، خلال اجتماع في نيوجيرسي في صيف 2019، إن «الصحافيين يجب إيداعهم السجون حتى يكشفوا عن مصادرهم، هؤلاء حثالة يجب إعدامهم».وادعى الكتاب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «لم يفهم لماذا يقود جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عملية السلام بالشرق الأوسط».ولفت بولتون إلى أنه قبل الانضمام إلى إدارة ترامب كان له حوار مع نتنياهو الذي تساءل عن دور كوشنر في تطوير خطة الشرق الأوسط، موضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «كان متردداً بتوكيل التوصل إلى نهاية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى كوشنر، الذي جمعته مع عائلته علاقة على مدى سنوات».وقال بولتون إن نتنياهو كان سياسياً بما فيه الكفاية بعدم معارضة الفكرة على الملأ، ولكن كالعديد من الناس في العالم، تساءل لماذا كوشنر سينجح في حين فشل أشخاص آخرون بالمهمة مثل وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر؟!»ترامب يرد
في المقابل، وجه ترامب انتقادات شديدة اللهجة إلى بولتون ووصفه بأنه «مجنون»، معتبراً أن كتابه يتألف من الأكاذيب والقصص المزيفة.وكتب ترامب على «تويتر»: «لم يقل بولتون إلا أموراً جيدة عني للصحافة حتى يوم إقالتي له، وهو غبي ممل ساخط لم يرغب إلا في شن حرب ولم يفهم أي شيء وأصبح منبوذاً وأقيل بسعادة. يا له من أحمق!».واتهم ترامب في مقابلة منفصلة مع قناة «فوكس نيوز» بولتون بخرق القانون بإدراجه معلومات في غاية السرية في الكتاب، الذي وزعت النشر «سيمون آند شوستر» آلاف النسخ منه ونشرت وسائل الإعلام الأميركية تفاصيله، رغم رفع وزارة العدل دعوى قضائية لمنعه لمخالفة بولتون التزاماته والكشف عن معلومات سرية.