منذ منتصف الأسبوع والقنابل والصواريخ تحرج حكومة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، فتركيا وإيران تضربان عند الحدود الشمالية، وتعززان انعدام الاستقرار الأمني والمالي والصحي، بينما تتحرك ميليشيات غير معروفة على نطاق واسع، للرد على حوار بغداد وواشنطن، فتقصف على التوالي المعسكرات، ثم تستهدف المنطقة الخضراء التي تقع بها مقرات الحكومة والبعثات الدبلوماسية. ويتعرض الكاظمي لضغط شعبي خطير، أمام هذه الهجمات التي شملت البلاد من جبال شمال كردستان حتى سهول جنوب العراق، ويبدو حائراً أمام هجمات حلفاء مفترضين وأعداء فعليين، دون أن تبدر منه سوى التعهدات الصارمة بالتعامل مع خروقات الأمن العراقي.
ويقول المراقبون إن فصيلاً تابعاً لكتائب «حزب الله» العراقية يرأسه شخص يدعى «أبو خميني» متمسك بإصرار علني لا يخفى على أجهزة الأمن، بضرب المنطقة الخضراء ومقرات السفارات الغربية، تحت قاعدة رفض الحوار بين بغداد وواشنطن قبل إجلاء كل القوات الأميركية من البلاد.وتوضح مصادر مقربة من الحكومة أن إشارات إيرانية كثيرة وردت لرفض الحوار العراقي مع البيت الأبيض؛ لأنه ظهر كتعزيز للتعاون رغم تضمينه مبادئ لتنظيم العلاقات الأمنية والعسكرية.وتضيف المصادر أن طهران أبلغت بغداد بطرق متعددة أن أمن العراق وإيران يتطلب انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية قبل أي حوار للتعاون، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بغداد، والتي تتطلب تعاوناً أميركياً ودولياً أكبر.
وتشير إلى قدرة عسكرية واضحة للتعامل مع الميليشيات، التي تهاجم مقرات الحكومة والسفارات بالصواريخ، موضحة أن حكومة الكاظمي لاتزال تتحدث مع إيران راعية الفصائل المسلحة، عن أنها تتمسك بسيناريو الباب المفتوح للحوار قبل استخدام القوة، وأن المهلة تكاد تنتهي على حد تعبيرها، لأن الرأي العام العراقي يريد تحركات ملموسة من الحكومة لاستعادة هيبة الدولة، خصوصاً قبل تصاعد محتمل في حركة الاحتجاج المطالبة بإصلاحات عميقة، وأزمة اقتصادية هائلة تهدد حتى رواتب الموظفين.أما في شمال البلاد فلا يبدو أن لدى الكاظمي قدرة تتجاوز إصدار البيانات، واستدعاء سفيري تركيا وإيران لإدانة القصف، الذي شمل أماكن قريبة من قلب أربيل عاصمة الإقليم الكردي العراقي، فضلاً عن أطرافه البعيدة على الحدود.لكن المراقبين الأكراد يعترفون بأن نقطة الضعف العراقية أمام طهران وواشنطن في هذا الملف تتمثل بعجز بغداد عن السيطرة على الجماعات الكردية الإيرانية والتركية المعارضة لأنظمة هذين البلدين، إذ ينفذ مسلحوها عمليات بين الحين والآخر ضد قوات أنقرة وطهران.ومعلوم أن تركيا وإيران تنفذان، خلال الربيع وبداية الصيف، عمليات ضد المسلحين الأكراد الموجودين على تخوم الحدود العراقية المحاذية، لكن المراقبين يربطون ذلك أيضاً بتفاهمات تخص شمال سورية الكردي وردود أفعال أنقرة عليها، أو محاولات اختبار مواقف الأطراف منها، كما أن طهران تحاول، حسب المراقبين، لفت الأنظار إلى وجود تمرد مسلح ضدها في شمال العراق يمكن أن يعزز تحركات شعبية وسياسية تنشط منذ الشتاء الماضي للاحتجاج على انهيار الأوضاع الاقتصادية غير المسبوق في إيران.