في وقت تواجه مصر مخاطر استراتيجية على حدودها الغربية وفي منابع النيل، بعث الرئيس عبدالفتاح السيسي برسائل إلى الخارج والداخل أمس السبت، تؤكد جاهزية الجيش للدفاع عن مصالح مصر العليا، خلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية، المسؤولة عن تأمين الحدود المصرية مع ليبيا التي تشهد حرباً أهلية مستعرة وتدخلاً دولياً واسعاً.الرئيس السيسي قال في حضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الفروع الرئيسية، إن «الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن».
وتابع في خطابه للجنود المسؤولين عن تأمين الحدود الغربية: «متأكد لو احتجنا منكم تضحيات وهنا بنبذل تضحيات كبيرة جداً، كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا».حديث السيسي يأتي في وقت تشهد الحدود المصرية سخونة مزمنة على جميع الصعد، إذ تشهد الساحة الليبية انتصارات لحكومة الوفاق وميليشياتها المدعومة من النظام التركي، في وقت يواجه الجيش المصري حرباً ضد الإرهاب في سيناء، بينما وصلت أزمة سد النهضة الإثيوبي إلى أفق مسدود، بعد رفض أديس أبابا التوقيع على اتفاقية ملزمة، وخروج تصريحات من مسؤوليها تلوح بالحرب.تصريحات السيسي جاءت مع تعقد الموقف في ليبيا رغم إعلان القاهرة مبادرة لوقف إطلاق النار وغداة تكثيف مصر تحركاتها بعد فشل آخر جولة للمفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي، وإحالتها ملف السد إلى مجلس الأمن الدولي، مساء أمس الأول، داعية الأخير للتدخل بعد تعثر المفاوضات الجارية مع السودان وإثيوبيا، متهمة أديس أبابا بعرقلة جهود التوصل إلى اتفاق، وجاء التحرك المصري بعد ساعات من حديث وزير الخارجية الإثيوبي عن نية بلاده البدء في ملء بحيرة السد الشهر المقبل، بغض النظر عن موقف دولتي المصب و»مهما كانت العواقب».
الخارجية المصرية قالت في بيان رسمي، إنها تقدمت بطلب إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة حول سد النهضة الإثيوبية، تدعو فيه المجلس «إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، التفاوض بحسن نية، تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق».القاهرة استندت إلى المادة (35) من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، وقالت في خطابها المكون من 63 صفحة، إنها اتخذت هذه الخطوة في ضوء «تعثر المفاوضات التي جرت أخيراً حول سد النهضة، نتيجة للمواقف الإثيوبية غير الإيجابية، التي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، ومرورًا بالعديد من جولات التفاوض الثلاثية».وأشارت الخارجية المصرية إلى «المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي، التي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، والذي قوبل بالرفض من إثيوبيا، ووصولاً إلى جولة المفاوضات الأخيرة، التي دعا إليها مشكوراً السودان الشقيق، وبذل خلالها جهوداً مقدرة من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعي مصالح الأطراف كافة».وتابعت الخارجية المصرية: «إلا أن كافة تلك الجهود قد تعثرت بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة لاتفاق إعلان المبادئ، الموقع بين الدول الثلاث في 23 مارس 2015، والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب».وأكدت مصر مجدداً حرصها على التواصل إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث، ولا يفتئت على أي منها، وهو ما دعا مصر للانخراط في جولات المفاوضات المتعاقبة بحسن نية وبإدارة سياسية مخلصة، ومن هذا المنطلق، ونظراً إلى ما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، فقد طالبت مصر مجلس الأمن بالتدخل وتحمل مسؤولياته لتجنب أي شكل من أشكال التوتر وحفظ السلم والأمن الدوليين.
إلقاء القفاز
التحرك المصري جاء بعد تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندراغاشو لوكالة أسوشيتد برس، التي ألقى فيها بقفاز التحدي على ساحة حوض النيل الشرقي، إذ قال صراحة إن بلاده ستبدأ ملء بحيرة السد في موسم الأمطار المقبل «باتفاق أو بدونه»، وأن إثيوبيا لن تتوسل مصر والسودان للسماح باستغلال مواردها المائية، فبلاده «ليست ملزمة بالتوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان قبل الملء».ووجه وزير الخارجية الإثيوبي اتهامات إلى القاهرة، قائلاً: «المصريون يبالغون في دعايتهم بشأن قضية السد، ويلعبون مقامرة سياسية، ويبدو أن بعضهم يتوق إلى اندلاع حرب، قراءتنا هي أن الجانب المصري يريد أن يملي ويسيطر حتى على التطورات المستقبلية على نهرنا، ولن نطلب الإذن لتنفيذ مشاريع تنموية على مواردنا المائية، هذا أمر غير مقبول من الناحية القانونية والأخلاقية».وأعلنت وزارة الري المصرية الخميس الماضي، فشل جولة مفاوضات لوزراء المياه في الدول الثلاث والتي انطلقت في الثلاثاء 9 يونيو الجاري، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا، في محاولة أخيرة للبحث عن حل لأزمة سد النهضة، وجاء انهيار المفاوضات بعد رفض الجانب الإثيوبي توقيع اتفاقية ملزمة، والتمسك بوضع قواعد إرشادية يمكن لإثيوبيا تعديلها بشكل منفرد.من جهته، قال خبير المياه المصري عباس شراقي، لـ«الجريدة»، إن خطوة مصر بالتوجه لمجلس الأمن مجدداً جاءت بعد التأكد من فشل المفاوضات، وتابع: «كان الأفضل أن يتم تقديم الطلب باسم مصر والسودان معاً، كدولتي المصب في مواجهة التعنت الإثيوبي»، واستبعد أن تلجأ أديس أبابا إلى الملء المنفرد لأنها تعلم أن هذه الخطوة بمنزلة «إعلان حرب».