اجتهدتُ خلال الأيام الأربعة الماضية في البحث عن برلمان عقد جلساته عن بُعد، عبر تقنيات الفضاء المفتوح أو الدوائر المغلقة خلال أزمة "كوفيد- ١٩" أو قبلها، فلم أجد أيّ برلمان في المنطقة أو البرلمانات العريقة تم فيه مثل ذلك الاجتماع.لكن مجلس الأمة الكويتي كان على وشك أن يشرِّع قانوناً يسمح بذلك الأربعاء الماضي، لولا الطارئ الصحي الذي أدَّى إلى رفع الجلسة، ومنع من تمرير هذا التشريع البالغ الخطورة.
وتكمن خطورة التشريع في أنه قد يكون وسيلة بالمستقبل أو في أي ظروف استثنائية لعقد جلسات افتراضية يتم من خلالها إقرار تشريعات خطيرة، أو حتى تعديل الدستور.ولنفترض أن هذا التشريع المقترح كان موجوداً خلال الغزو العراقي الغاشم، وتمكّنت القوات الغازية من القبض على رئيس البرلمان وغالبية النواب والوزراء، ووضعتهم أمام الكاميرات تحت التهديد لإقرار ما تُريد باسم الشعب الكويتي، أو استخدمت قوة مُعادية في المستقبل وسائل المونتاج والتكنولوجيا الحديثة لعمل جلسة مختلقة افتراضية للبرلمان الكويتي.وقبل كل ذلك، فإنّ المقترح يحتاج إلى تعديل دستوري للمادتين 90 و94 اللتين تنصان على كلمة "مكان عقد الجلسة" و"علنيتها"، وهو ما يعني حضور شهود للجلسة، قبل حتى أن تتحوَّل إلى سريّة، وهو الأمر الذي تداركه رئيس مجلس الأمة في جلسة الثلاثاء الماضي، بدعوة الصحافة لحضورها، لأنه إذا مُنع الجمهور والصحافة تصبحُ جلسة لم تتوافر فيها العلنية، ويمكن الطعن الدستوري في جميع قراراتها وإلغاؤها.كما أن اللائحة الداخلية للمجلس في حالة تقديم الاستجواب، تشترط أن يكون النائب المستجوب موجوداً جسدياً في القاعة عند قراءة بند الاستجواب، حتى لو كان حاضراً في بداية الجلسة وأثبت وجوده وترك القاعة إلى مكتبه ولم يغادر مبنى البرلمان، فإن لم يكن موجوداً فعلياً في حدود قاعة البرلمان يسقط استجوابه إن لم يتبنَّه نائب آخر في القاعة.قطعاً، إن تشريع عقد مجلس الأمة جلساته عن بُعد هو تشريع خطير يجب عدم المغامرة به أو إقراره، كما أن ممارسة مجلس الوزراء بعقد جلسات عن بُعد أيضاً، إجراء فيه مخاطرة كبيرة، خصوصاً ونحن نعيش في منطقة تعجّ بمتغيرات أمنيّة مقلقة وأحداث غير متوقعة.
أخر كلام
الجلسات عن بُعد... غير دستورية!
21-06-2020