• برأيك، لماذا لا يوجد منهج نقدي عربي خالص يسير على هديه نقادُنا بدلاً عن الاعتماد على المناهج الغربية؟- لم يعد التفكير في الثقافة الخالصة مجدياً، وكذلك نظرية عربية خالصة، ولربما يكون ذلك ينطوي على نوع من «العنصرية»، وكثيراً ما كنت أفكر في الأسباب التي تقف وراء قلة التنظير النابع من داخل ثقافتنا عن الشعرية والسردية، ولعل من الأسباب عدم الالتفات إلى الفلسفة وغياب الاشتغال بها في كثير من الجامعات وفي مجال النقد العربي، ووجود تيارات محرضة ضد التفلسف، ثم ان النقد الأدبي لا يشكل عندنا مؤسسة، بمعنى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، ولا يتمثل كتيارات أكاديمية متمايزة، وسيادة تيار ثقافي يجر إما إلى سيادة الموجود وتمجيده، أو إلى محاولة إنعاش الماضي، وعدم وجود تاريخ للأدب الحديث بالمعنى الفلسفي، والفلسفة تعبر عن مصالح مجتمعها وزمنها الذي أنتجت فيه، ولا يمكن بأي حال اجترار الماضي خصوصاً الفلسفة، بينما نجد في النظرية النقدية عند الثقافات الأخرى أن هناك قلقاً كبيراً يعبر عنه في عدم اكتمال النظرية، وجدية ما يطرح عليها من التيارات الحديثة، وينظر إلى ما عبر من أفكارها النقدية، أي النظرية النقدية، إلى مجالات أخرى، كقيمة لنجاحها.
• إلى أي مدى ترى سيطرة قصيدة النثر على المشهد الشعري العربي الراهن؟- من الناحية النقدية، فإن المدارس الفنية والأدبية لا تلغي بعضها البعض تماماً، يخفت البعض ويتنحى ولكنه لايزول، فلايزال هناك من يكتب في الرومانسية والواقعية، ومن يتمسك بأغراض الشعر القديمة، بينما سيطرت ثلاثة أشكال في الشعرية العربية، فكان العمود اتجاهاً جباراً ظل مهيمناً على الساحة لأكثر من ألف سنة أو يزيد، بينما كان الانقلاب على العمود حديثاً نسبياً مع حركة النهضة العربية، وجاء التجديد في بدايات القرن المنصرم على شكلي التفعيلة وقصيدة النثر، وظلت المعارك تدور بين أنصار التفعيلة والعمود ردحاً من الزمن، حتى وجد تيار التفعيلة القبول في الخيال الجمعي، وأصبح ممكناً الاستمتاع به جمالياً، وبات أمراً مألوفاً، وكذلك خاض أنصار قصيدة النثر معركة حامية الوطيس مع أنصار العمود وأنصار التفعيلة، ويبدو لي أن قصيدة النثر حالياً تأخذ مساحة لا بأس بها من خطوط إنتاج الشعرية العربية، ولاتزال معركتها على مستوى التذوق الجمالي مفتوحة، ذلك أنها بحاجة إلى حساسية أدبية لجملة شعرية جديدة، وهي لا تتكون في الهواء ما دام كتاب المناهج العربية يطرحونها خارج الخريطة.
الرواية المبدعة
• «الطاعون» لألبير كامو من أكثر الروايات التي يقبل عليها القراء، هل ترى أن السرد هو الأنسب في زمن كورونا؟- لعلنا نلتفت هنا إلى أن الرواية المبدعة هي التي تحتفظ في داخلها بما يلمس الناس، تخبو أحياناً وتشع كثيراً في أحيان أخرى، وكامو المتمرد يلمس أرواحاً كثيرة في هذه الرواية التي تحاكي حالة كورونا في زمن انتشار الجائحة، ويعاد الالتفات إليها بحثاً عن مخرج فهل هذا دليل على أنه زمن السرد؟! أرى كثيراً من السرد الذي خبا، ولم يعد أحد يتذكره، وكذلك في الشعرية، وهناك دائماً قمم وقيعان، والأدب تقاس قممه بقيعانه، أن تكتب نصاً خالداً هو أن تجعله مشعاً بالحقيقة أبداً.المياه الراكدة
• كثير من المبدعين يتهمون النقاد بالشللية والمجاملات، هل تتفق مع هذا الرأي؟- النقاد شأنهم شأن المثقفين، فبعضهم مزيف، وهو الذي يطلب الانتشار، وهو المطلوب بشدة، يتصدر الساحات والمجلات، والمقابلات التلفزيونية على قلتها، ويتربع على المنابر، دائم الحضور في المنتديات، ذلك أنهلا يلمس أحداً، فلا يوجد من يغضب منه، ولا يلقي حجراً في المياه الراكدة، ويتكلم لكي لا يقول شيئاً، ويسير في جوقة المدح، وعنده من الشللية في الدوائر الرسمية ما يضمن دخلاً ثابتاً، إنه ناقدٌ مزيف والنقد على مستويات منها الوصفي، ومنها الصحافي، ومنها الدارس المتعمق، الكاشف الذي يتلمس حرير الطرق، ويسأل إلى أين؟ النقدهو مساءلة الحياة الاجتماعية برمتها، وهو الرابط بين الأدب ومنابعه، في تجربتي النقدية كتبت عن أناس لم أكن قابلتهم بعد.المسألة خادعة
• ما أثر التحولات الاجتماعية المستجدة في الأدب عموماً وعلى النقد خصوصاً؟- حتى عصر «كورونا» كان تيار العولمة يبني بقوة ويدعم الاستهلاك وأخلاقه، ويتخلى عن التضحية والمساعدة، وإن بدا أنهما أمران يتراصفان، فالمسألة خادعة، ويبدو أن التيار الأول شكل في الشعرية الانشغال باليومي وإخراجه بصورة باهرة، وأما الثاني فهنا كل هذه الأناشيد التي نسمعها في تمجيد الإنسانية والحرية والجمال، أعتقد أن المجتمع الإنساني سيستدير هذه المرة باعتباره وحدة واحدة للنظر في قيم الاستهلاك، وربما التأكيد على قيم التضامن والحرية والتضحية والمساعدة، ولعل ذلك ما سينعكس على الأدب في المراحل العشرية المقبلة.لغة عريضة
• كيف انعكست سنوات النشأة الأولى على تجربتك الشعرية ورؤاك كناقد؟- نشأت في عائلة محافظة ومتدينة، ولعبت سنواتي الأولى دوراً مهماً في تكوين تجربتي مع اللغة، كانت دور تحفيظ القرآن، وأمي التي توافرت على لغة عريضة بحكم كونها قارئة في مأتم، وتحفظ كثيراً من الأشعار والحكم، تحكي لنا قصص ألف ليلة وليلة، وخرافات عن الجن والعفاريت، ذلك ما أدخلني في عالم الشعر منذ البداية، ثم أتت المدرسة، ولكن يبدو أن كل فترة من الفترات تحدث تحركات ثقافية بما ينعكس عليها من الحراك الاجتماعي المستمر في بلدنا، وكان هناك خياران حقيقيان أمام أن أكون شاعراً أو أن استمر في الكتابة النقدية التي كان زملائي يحرضونني عليها، وكان أن كتبت كثيراً في النقد، وقليلاً في الشعر الذي لم أكرس نفسي له بالكامل، وبدأ يتكون الناقد من خلال مغامرة الكتابة النقدية، بينما كان الناقد يتعرض للهجوم المستمر من جهة، والرغبة في أن يكتب عن التجارب من جهة أخرى، فكنت بين هذين النقيضين.النشر الإلكتروني
• ما مشروعك النقدي الذي تعكف عليه حالياً؟- يمكنني أن أختصر مشروعي في إنصاف المبدعين على تنوعهم ما استطعت، وأعتقد أن زمن النشر الورقي ضعف تماماً، وبات النشر الإلكتروني سيد الموقف، لذا بدأت بالنشر الإلكتروني، وأبحث عن موقع يمكن من خلاله نشر كتبي التي لم يسعفني الوقت لنشرها، «عصافير الأفق، عن تجربة الكتابة للطفل»، و»صمت يضمحل، عن تجارب الشعرية في المنطقة»، و«النقد بقعة من الضوء، في موضوعات النقد»، و«ما النقد؟ محاولة للإجابة»، ولي ديوان وحيد «ظلال نحيلة».