مع اقترابنا من نهاية نصف سنة مليئة بالتقلبات والاضطرابات الشديدة، جرّاء ما تسبّب به الوباء من تراجع عالمي في النمو هو الأسوأ من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية، تحافظ أسواق السلع على وضع جيّد نوعاً ما مع بعض الاستثناءات.

وبالرغم من انخفاضه، خلال العام، بنسبة 20 في المئة، شهد مؤشر بلومبيرغ للسلع الرئيسية ارتفاعاً بنسبة 2 في المئة هذا الشهر، بفضل عدّة عوامل؛ أبرزها المنتجات الداعمة للدورات الاقتصادية، مثل المعادن الصناعية والنفط ومنتجات الوقود.

Ad

وفي الوقت الراهن، وحسب "ساكسو بنك"، تترقّب معظم الأسواق -ومن بينها سوق السلع- مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 باعتبارهما مصادر رئيسية للإلهام.

وأدت بعض نقاط الضعف المعنية بارتفاع عدد حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 في الولايات المتحدة الأميركية، ولفترة مؤقتة في بكين، إلى انخفاض أسعار الأسهم قبل إعلان اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة عن خططها لشراء سندات الشركات. وتواصل هذه التطورات طرح تساؤلات حول مدى انفصال التقييمات الحالية للبورصة عن الاقتصاد الحقيقي، حيث تباطأ النمو وازدادت البطالة. وتوحي السلوكيات الحالية للسوق بأن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي سيتدخل في حال ظهور أي بوادر ضعف.

المعادن الثمينة

للأسبوع التاسع على التوالي، شهدت أسعار الذهب تداولات محدودة النطاق حول 1700 دولار للأونصة، حيث كافح المعدن الأصفر للعثور على موطئ قدم قوي بما يكفي لرفع أسعاره أو تخفيضها. وبالنسبة إلى صناديق التحوّط في سوق العقود الآجلة، فقد تراجعت جاذبية صفقات المضاربة بشراء حقيقي بسبب غياب الاستجابة الإيجابية لمحفزات إضافية من البنك المركزي والضعف الأخير للدولار وانخفاض العائدات الحقيقية. ومنذ ذروتها في فبراير، خفضت تلك الصناديق رهاناتها حول ارتفاع الأسعار بنسبة 55 في المئة إلى أدنى مستوى في عام.

وخلال تلك الفترة، واصلت الصناديق المتداولة في البورصة والمدعومة بالسبائك انتقالها من موضع قوة لآخر، وارتفعت الحيازات الإجمالية وفقاً لبيانات بلومبيرغ بمقدار 565 طنا إلى 3138 طنا حتى الآن هذا العام. وهو ما تجاوز حدود التعويض عن الانخفاض الكبير في الطلب المادي الناجم عن الجائحة وإجراءات الإغلاق، وذلك بالنسبة لأكبر مستهلكي الذهب في العالم في آسيا.

وجاء تزايد الطلب على الصناديق المتداولة في البورصة من مختلف أنواع المستثمرين الأفراد وصناديق التقاعد وبعض من الشخصيات فائقة الثراء حول العالم. وبحسب تسعة بنوك خاصة أجرت "رويترز" مقابلة معها، والتي تشرف بشكل جماعي على نحو 6 تريليونات دولار من أصول الأثرياء حول العالم، فإنها نصحت جميع عملائها بزيادة مخصصاتهم من الذهب.

وسلطت آخر التقارير الصادرة عن بنك غولدمان ساكس الضوء على اثنين من الأسباب العديدة التي ذكرناها، خلال الشهور القليلة الماضية، ودفعتنا للتفاؤل المستمر بارتفاع الأسعار والمخاوف من تراجع العائدات الحقيقية. وتضمنت تلك التقارير توقعات بارتفاع أسعار الذهب على مدى ستة شهور إلى 1900 دولار للأونصة، والفضة إلى 21 دولارا للأونصة، مما يجعل نسبة أسعار الذهب إلى الفضة هي 90.5، بنسبة تفوق 9 في المئة في الأداء قياساً بالسوق الحالية.

وبناء على الحركة الأخيرة لأسعارها، تمتلك المعادن الثمينة القدرة على الإحباط، مما يتطلب قدراً أكبر من الصبر. ويبدو العامل الضروري لدفع الأسواق مفقوداً في الوقت الراهن نظراً للمخاطرة والتفاؤل الملموس في الأسواق المالية. على أي حال، لم تسبب هذه التطورات تغيراً في وجهة نظرنا بأن الذهب سيشكل عامل تنويع هاما على المدى القريب، مع ترجيحات بازدهاره على المدى البعيد، في ظلّ ضعف الدولار وتراجع العائدات الحقيقية وارتفاع التضخم.

وتضاف إلى ذلك المخاطر الجيوسياسية المتزايدة والمبنية على تبادل اللوم بتفشي "كوفيد-19"، لا سيما مع استطلاعات الرأي التي تشير إلى احتمال تعرض الرئيس ترامب إلى هزيمة كبيرة في نوفمبر. وتفرض الجائحة خطورة تسريع وتيرة انحسار العولمة وعودة الشركات إلى مواطنها الأم، والتي بدأت مع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

كما ستتخطى أسعار أونصة الذهب عتبة 1750 دولارا. وبمجرد حصول ذلك، نتوقع تشكل زخم متجدد وتوجه نحو الشراء من صناديق التحوط غير المستثمرة، مما سيؤدي لارتفاع أسعار أونصة الذهب إلى 1800 دولار للأونصة، وأونصة الفضة نحو 19 دولارا.

الطاقة

ما زال قطاع الطاقة يعاني التباين بين النفط الخام والمنتجات من جهة، والغاز الطبيعي من جهة أخرى. وقياساً بمستوياتها في أواخر أبريل، انتعشت أسعار النفط الخام والمنتجات بشكل قوي بفضل التخفيضات المتشددة في الإنتاج من مجموعة أوبك بلس، والدرجة العالية من الامتثال وصدور التقارير التي تشير إلى التعافي المستمر والمتسارع في مستويات الطلب. وفي أحدث تقاريرها عن أسواق النفط، أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى تحسّن مستويات الطلب على النفط في عام 2020، بالرغم من انخفاضها بـ 8.1 ملايين برميل يومياً، قبل انتعاشها بمعدل 5.7 ملايين برميل يومياً في عام 2021. ويتوقع التقرير تأخر عملية التعافي الكاملة للأسعار حتى عام 2022 على أقل تقدير، مع حدوث انتعاش بطيء للطلب على وقود الطائرات وتغيّر سلوكيات المستهلك.

وبينما يسير النفط الخام في طريقه نحو الانتعاش، يمكن أن تبقى أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا خاضعة للضغط خلال الشهور المقبلة. ويأتي ذلك استجابة للتنامي الموسمي المستمر في مخزوناتها، وصولاً لسعتها العظمى. وسجلت تداولات الغاز الطبيعي الأميركي المستحقة في يوليو مستويات أعلى من الدعم عند 1.60 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانيّة، وبشكل تخطى مستوياتها المتدنية في مارس عند 1.52 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانيّة. وتشير المخاطر على المدى القريب إلى انخفاض الأسعار ما لم يطرأ ارتفاع كبير في الطلب بسبب الطقس الدافئ أو زيادة الطلب الصناعي.