قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن بلاده تريد من مجلس الأمن الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويمنع إثيوبيا من البدء في ملء بحيرة سد النهضة المتوقع خلال أيام، لحين الانتهاء من المفاوضات المتعثرة، متهما الجانب الإثيوبي بإذكاء العداء بين البلدين، وملوحا باتخاذ إجراءات صريحة حال البدء في الملء المنفرد.شكري قال في مقابلة مع وكالة «أسوشيتد برس» نشرتها الأخيرة امس الأول، إن مسؤولية مجلس الأمن هي معالجة أي تهديد للسلام والأمن الدوليين، «وبالتأكيد فإن الإجراءات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا في هذا الصدد تشكل تهديدا»، وحذر من أن ملء خزان سد النهضة دون اتفاق يعد انتهاكا لبنود إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015، ما يعني استبعاد العودة إلى المفاوضات؛ على حد قوله.
وشدد وزير الخارجية المصري على أن بلاد لم تهدد بأي عمل عسكري ضد السد، بل سعت إلى الحل السياسي، وعملت على إقناع الشعب المصري بحق إثيوبيا في بناء السد لتحقيق أهداف تنموية، وأضاف: «لم تقم مصر أبدًا خلال السنوات الست الماضية بإشارة ولو بشكل غير مباشر إلى مثل هذا الاحتمال (أي الرد العسكري)».لكن شكري حذر من أنه إذا لم يتمكن مجلس الأمن من إعادة إثيوبيا إلى المفاوضات وبدأ الملء دون اتفاق، «فسوف نجد أنفسنا (في مصر) في وضع يتعين علينا التعامل معه، وعندما يحين وقت ذلك، فسنكون صريحين وواضحين للغاية في الإجراء الذي سنتخذه».تصريحات الوزير المصري تأتي في وقت دخلت أزمة سد النهضة منعطفا خطيرا بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة الأسبوع الماضي، مع إعلان كبار المسؤولين الإثيوبيين بدء ملء خزان السد في يوليو المقبل، بغض النظر عن توقيع اتفاق مع مصر والسودان من عدمه، وردت مصر بتقديم خطاب من 62 صفحة إلى مجلس الأمن الدولي بإجبار إثيوبيا على العودة للمفاوضات وتوقيع اتفاقية متوازنة وملزمة لجميع الأطراف.
ردود متبادلة
وعلى الجانب الإثيوبي، قال رئيس الوزراء آبي أحمد، عبر «تويتر» مساء الأحد، إنه ناقش مع قادة الجيش استراتيجية الدفاع الجديدة، بينما صرح وزير الخارجية جيدو أندراغاشو، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية أمس الاثنين، أن بلاده لن تقبل أي اتفاق يقيد حقوقها المائية في نهر النيل تحت ستار المفاوضات، متهما مصر بمحاولة تقييد حقوق إثيوبيا المائية وقدرتها على استغلال النهر.ورفض وزير الخارجية الإثيوبي البيانات الصادرة من الولايات المتحدة والمنظمات الدولية التي تطالب أديس أبابا بتوقيع اتفاقية عادلة ومنصفة، قائلا: «سيكون من الأفضل إذا امتنعوا عن إصدار مثل هذه الإعلانات»، وتابع في لهجة متحدية: «لا يمكن لقوة داخلية أو خارجية أن تمنع إثيوبيا من ملء السد».وعلى الفور، ردت وزارة الخارجية المصرية، في بيان رسمي أمس الاثنين، على تصريحات الوزير الإثيوبي، قائلة: «تعليقا على حديث وزير خارجية إثيوبيا حول دوافع لجوء مصر إلى مجلس الأمن باعتباره هروبًا من التفاوض، أكد وزير الخارجية سامح شكري، أن مصر انخرطت في المفاوضات بحسن نية على مدار عقد كامل، موضحا استعداد مصر الدائم للتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح الجميع، ووجه التحدي لإثيوبيا باستئناف المفاوضات فوراً حال إعلانها الالتزام بتعهداتها الدولية بعدم الملء الأحادي».موقف سوداني
في غضون ذلك، بدا أن الخرطوم متمسكة بالتفاوض إلى الرمق الأخير، إذ قال وزير الري والموارد المائية ياسر عباس، إن السودان لا يزال يتمسك بموقفه الثابت من أن المفاوضات هي أنجع السبل للتوصل إلى تفاهمات بشأن قضية سد النهضة، وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا)، أمس، أن الجانب السوداني لم ييأس في التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث.وقال عباس إن الجانب السوداني بذل جهودا مخلصة، ولجأ في نهاية جولة المفاوضات الأخيرة إلى رفع الأمر إلى رؤساء الدول الثلاث، بعد أن شعر بعدم وجود تقدم في النواحي القانونية على مستوى وزراء المياه، وهو ما يحتاج إلى قرار سياسي، مجددًا موقف بلاده المتمسك بالاتفاق كشرط أساسي قبل البدء في ملء السد الإثيوبي، وذلك لضمان سلامة وتشغيل سد الروصيرص، مؤكدًا أن السودان متحسب لكل السيناريوهات لضمان حقوقه.تحليل موقف
وحول الموقف القانوني لمصر بعد اللجوء إلى مجلس الأمن، يقول الخبير في القانون الدولي، الدكتور محمد الخشن، لـ «الجريدة»، إن مصر لجأت إلى مجلس الأمن الدولي بعدما فشلت مفاوضات سد النهضة بسبب التعنت الدولي، وهنا تطلب القاهرة من المؤسسة الأممية أن تتدخل لعودة المفاوضات وصولا إلى توقيع اتفاقية ملزمة لجميع الأطراف، باعتبار أن مجلس الأمن هو الهيئة الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، خاصة أن مصر لم تلجأ إلى هذه الخطوة إلا بعد أن استنفدت كل درجات التفاوض مع الجانب الإثيوبي الذي ثبت أمام المراقبين الدوليين سواء في جولة واشنطن أو الجولة الأخيرة تعنته الواضح.وأشار الخشن إلى أن مصر قدمت طلبها إلى مجلس الأمن بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بشأن حل النزاعات سلميا، مما يعني أن تدخل المجلس سيكون محدودا وسيكتفي بإصدار توصيات إذا اقتنع بالأدلة التي يقدمها الجانب المصري. وتابع: «ورغم أن قرارات مجلس الأمن لن تكون إلزامية إلا أنها ستكون انتصارا كبيرا لمصر، لأنها ستكون بمثابة الاعتراف الأممي بصحة الموقف المصري ووجود تعنت إثيوبي واضح وصريح يهدد السلم في منطقة حوض النيل الشرقي، وهي ما يعطي مشروعية لأي تحرك مصري مستقبلي للحفاظ على الحقوق المائية».