يبدو دور الحكومة غائباً في تنظيم قطاع العقارات السكنية على مدار السنوات السابقة، على الرغم من إقرار مجلس الأمة في عام 2008 القانون رقم 8 بشان استغلال الأراضي الفضاء، الذي حظر تملك الشركات للعقارات السكنية، ونصّ على احتساب رسوم على الأراضي الفضاء التي تتجاوز مساحتها خمسة آلاف متر مربع ويملكها شخص طبيعي واحد، بحيث يدفع عشرة دنانير سنوياً عن كل متر زائد على الخمسة آلاف.

وبالفعل، أدى هذا القانون إلى انخفاض أسعار العقارات في ذلك العام بعد أن بلغت الذورة في عام 2007 ولا شك أن الأزمة العالمية آنذاك كان لها الأثر المزدوج على انكماش قطاع العقارات عموماً، لكن هذا الانخفاض لم يدم طويلاً إذ ارتفعت أسعار العقارات بما يزيد على 300 في المئة، فعلى سبيل المثال، كانت أرض شارع واحد في أبوفطيرة تباع في عام 2008 بـ 70 ألف دينار، في حين ارتفعت حالياً إلى 270 ألفاً. ويعزى هذا الارتفاع إلى أسباب عديدة منها عدم قابلية القانون رقم 8 بشأن استغلال أراضي الفضاء للتطبيق، إذ أصبح حبراً على ورق، واستطاع "حيتان" العقارات السكنية تنظيم أوراقهم وترتيب أملاكهم حسب القانون، وتم تحويل العقارات التي تزيد على خمسة آلاف متر مربع لأسماء أشخاص آخرين، إضافة إلى هروب بعض مستثمري العقارات الاستثمارية إلى العقارات السكنية نتيجه ارتفاع كلفة رسوم الكهرباء والماء، إذ زادت الدولة تلك الرسوم عام 2017 مما تسبب بانتقال رؤوس الأموال من العقارات الاستثمارية والتجارية إلى العقارات السكنية نتيجة انخفاض العوائد في العقارات الاستثمارية، كما أن عدم قدرة الحكومة على حل القضية الإسكانية وتوفير المساكن لمنتظري طلبات الرعاية السكنية كان له الأثر الأكبر في تفاقم الطلب على العقارت السكنية، مما تسبب بالتالي في ارتفاع الأسعار إلى هذا الحد. فالعقارات السكنية أصبحت عنواناً للربح الآمن، لأن أغلبية مستأجري هذا القطاع هم من المواطنين الكويتيين، فجاءت تسعيرة الإيجارات على هذا الأساس معتمدة على رواتب هؤلاء، وارتفعت أسعار الإيجارات إلى ما يقارب 260 في المئة، وعلى سبيل المثال في عام 2004 كانت تكلفة ايجار شقة تتكون من ثلاث غرف في منطقة جنوب السرة بـ 250 ديناراً أما الآن فقد ارتفعت إلى 650 ديناراً. ويعزى ارتفاع أسعار الإيجارات إلى عدة أسباب، منها ارتفاع مستوى دخل الفرد خلال الأعوام السابقة، إضافة إلى عدم وجود خيارات متاحة للعائلة الكويتية، فالمواطن بين نار ملاك العقارات وجنة الرعاية السكنية التي يطول انتظارها إلى أكثر من 15 عاماً، إضافة إلى قلة المعروض من العقارات السكنية المتاحة للتأجير، لأن أغلب هذه المناطق تعتبر ضمن مناطق السكن النموذجي، فتحولت إلى أصول استثمارية يتداولها "حيتان" العقارات من خلال محافظهم، أضف إلى ذلك أن ضعف الدور الحكومي في مراقبة هذا القطاع وحمايته من جشع البعض كان له الدور الرئيسي في تفاقم أزمة العقارات السكنية على مر العقود.

Ad

حلول ومقترحات

- تنظيم قطاع العقارات السكنية بإصدار قانون يفرض ضريبة عالية على من يضارب في قطاع العقارات السكنية، خصوصاً عند بيع العقارات خلال العامين الأول والثاني من امتلاك الوثيقة، وفرض ضريبة على من يتملك أكثر من عقار ورفع رسوم الكهرباء والماء على المنزل الثاني وتعامل رسوم كهرباء المنزل الثاني مثل تعرفة العقارات الاستثمارية.

رفع رسوم التسجيل العقاري

- لما كان تنظيم السوق العقاري في دولة الكويت يعتبر من الموضوعات المستهلكة على مدار السنوات السابقة لدى جميع فئات المجتمع ، لذا كان ضرورياً على أقل تقدير إجراء بعض التعديلات الضرورية والمهمة للمحافظة على استقرار أسعار العقارات وثباتها، ولعل من أهم أسباب نشوء المضاربات في القطاع العقاري وتزايدها هو انخفاض رسوم التسجيل العقاري، إذ يساهم انخفاضها في دخول البعض من المستثمرين (المضاربون) وقيامهم بعمليات احتكار لمجموعة من الأراضي، ثم بيعها بعمليات سريعة، مما يساهم بالتالي بشكل كبير في ارتفاع قيمة العقارات نتيجة احتكارها وزيادة الطلب عليها، لذا لجأت أغلب الدول إلى رفع رسوم التسجيل العقاري المصاحب لعمليات البيع والشراء، إذ بلغت الزيادة في إمارة دبي على سبيل المثال من 2 إلى 4 في المئة، وفي ماليزيا تراوحت الزيادة بين 5 و10 في المئة، وفي فرنسا 6 في المئة، وفي اليابان 5.8 في المئة.

وعلاوة على ذلك تعتبر الكويت من أقل الدول اقتضاء لرسوم التسجيل، مما يجعل السوق العقاري مفتوحاً على المضاربات وعمليات البيع السريعة، فمن شأن هذا الإجراء أن يحقق التوازن المطلوب للسوق، ويعزز فرص النمو المستدام بالقطاع، ويقلل من عمليات المضاربات العقارية، ويزيد من صحة وتعافي القطاع. 

رقابة على عقود التأجير وضبط الأسعار

- من خلال إنشاء إدارة في وزارة العدل تختص بتسجيل جميع عقود الإيجارات وعدم اعتماد أي عقد دون تسجيل في هذه الإدارة، مع منحها صلاحية في تحديد قيمة الإيجارات حسب آلية تقييم تعتمد على نوع ومساحة ومكونات الوحدات المتاحة للتأجير، والمحافظة على استقرار أسعار الإيجارات عن طريق السجل الخاص لهذه الإدارة، وإصدار مؤشرات إيجارية سنوية، موضحاً فيها قيم وأسعار الإيجارات التي تم تسجيلها خلال العام وتكون متاحة للجميع وصولاً إلى الشفافية المطلقة.

- كما نقترح في شأن قانون الرهن العقاري فرض اشتراطات تمويلية للقروض الموجهة (للسكن الخاص) لتقليص المضاربات والحفاظ على استقرار الأسعار بالشروط التالية:  

أولاً: يشترط منح التمويل بالأولوية لمن لا يملك عقاراً. 

ثانياً: تخفيض قيمة التمويل في حال تقدم العميل بتمويل آخر. 

ثالثاً: تخفيض قيمة التمويل لمن يملك أكثر من عقار.  

رابعاً: عدم جواز بيع العقار الممول إلا بعد مرور سنتين على الأقل. 

وللإشارة، فإن أغلب الدول تسعى جاهدةً إلى حماية السكن الخاص من المضاربات باعتباره حقاً أصيلاً للمواطنين وفي سبيل تحقيق الاستقرار والعيش الكريم.

* محمود الطراروة المدير التنفيذي لشركة "بازار ريل أستيت" العقارية