انفراج في العلاقات الأميركية الصينية في عام 2021
في ظل تداعيات وباء "كوفيد-19" العالمي، تتعلق أهم خطوة من جانب الحكومات حول العالم في المستقبل القريب بإعادة إحياء الأنظمة الاقتصادية الوطنية المتضررة، حيث يجب أن تترافق هذه الجهود مع حل مشاكل البطالة المحلية، وتنشيط قطاع الخدمات، وتجديد سلاسل الإمدادات في مجالات متنوعة، بالإضافة إلى المسائل الاقتصادية سيواجه عدد كبير من الحلفاء والشركاء التقليديين للولايات المتحدة، بقيادة الاتحاد الأوروبي، اضطرابات سياسية داخلية خلال هذه السنة أو في السنة المقبلة. على سبيل المثال، أصبحت مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على رأسها إيطاليا والنمسا، عالقة في صراعات سياسية بين الأحزاب الشعبوية والنخبوية، وبسبب الإقالات المتكررة في الأحزاب الحاكمة، ستزيد صعوبة الحفاظ على سياسات متماسكة ومستمرة في تلك البلدان.نتيجةً لذلك، لن تكون الولايات المتحدة وحدها بحاجة إلى تخفيف الاضطرابات السياسية المحلية وإعادة إحياء الاقتصادات الوطنية في حقبة ما بعد الوباء، بل إنها خطوة ضرورية في معظم بلدان العالم، كذلك يجب أن تتعامل هذه البلدان مع مشكلة التغير المناخي التي تزداد سوءاً مع مرور الأيام، وفي المجال الدبلوماسي ستعمد معظم البلدان على الأرجح إلى تقليص الصراعات بين الدول والتركيز على إعادة تنظيم المشاكل الداخلية، وتصبّ هذه المقاربة حتماً في مصلحة المواطنين في كل مكان، وحتى لو أرادت الولايات المتحدة متابعة احتواء الصين، يصعب عليها أن تجد أي شريك مستعد للانضمام إليها وتحمّل التكاليف واستعمال الموارد الوطنية لمعاداة الصين، لهذا السبب، من الأصعب على واشنطن أن تبني جبهة دولية موحّدة، على المستويين الجيوسياسي والعالمي، لاحتواء الصين على المدى القصير.في نهاية المطاف، يتوقف مستقبل العلاقات الصينية والأميركية حتى الآن على التقلبات الدورية للمنافسة والتعاون، فبين العامين 2018 و2020، لم تكن السياسة الأميركية القمعية تجاه الصين كفيلة بإحداث تغيرات جذرية في العلاقات الصينية الأميركية، فمن جهة عجزت الولايات المتحدة عن استكمال سياسة "الانفصال" الاقتصادي عن الصين، ومن جهة أخرى لم تتخلَّ عن تجربة سياسات الاحتواء المحتملة، وعلى المدى القصير من المنتظر أن يتّضح الشرخ بين الصين والولايات المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن لن يخوض الطرفان مواجهة شاملة، ولن تعمد الولايات المتحدة إلى قمع الصين بوتيرة مفرطة لأنها تخشى أن تنعكس هذه الخطوة سلباً على اقتصادها المحلي.
ومن المتوقع أن تستمر مظاهر المنافسة والتعاون بين البلدين، وأن يتعايش الطرفان لفترة طويلة، وانطلاقاً من نظرية القوة الهيكلية يُعتبر هذا التوقع منطقياً لأن البلدين لم يبلغا بعد مستوىً متساوياً من السلطة الشاملة، وفي مجالات القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والتعليمية والمالية، وحتى القوة السياسية العالمية، تحتاج الصين إلى 10 سنوات على الأقل لمضاهاة الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تواجه واشنطن تداعيات وباء "كوفيد-19" وانتشار النزعة الأحادية الجانب، لذا تعجز عن تشكيل جبهة دولية موحّدة ضد الصين، إذ لم تحقق الحرب التجارية القائمة منذ سنتين أي نتائج ملموسة، ولا تستطيع الولايات المتحدة وحدها احتواء الصين وسحقها اليوم، ونتيجةً لذلك ستصل المواجهة بين الصينيين والأميركيين مستقبلاً إلى طريق مسدود وقد يشهد الوضع تقلبات معينة، بما يشبه تلك التي تؤثر في الدورة الاقتصادية، وبعبارة أخرى ستكون الظروف محتدمة حيناً ومعتدلة أحياناً.وبناءً على العوامل الآنف ذكرها، يجب أن يفكر الأميركيون بكل حذر وتفاؤل بإطلاق حقبة من الانفراج في العلاقات الثنائية بعد هذه السنة الانتخابية، وهذا الوضع سيصبّ في مصلحة قادة البلدين وينعكس إيجاباً على إعادة ترسيخ النظام الاقتصادي والسياسي الذي تأثر بالوباء. باختصار من المتوقع أن تصبح مظاهر التنسيق والمواجهة والتقلبات الدورية جزءاً طبيعياً من العلاقات الصينية الأميركية مستقبلاً.* دينغ دينغ تشان* «دبلومات»