ردّ قانون مخاصمة القُضاة
أبدى عدد من المستشارين والقضاة اعتراضهم على قانون مخاصمة القضاة، الذي أقره مجلس الأمة قبل أيام قليلة، وبرّر القضاة المعترضون موقفهم بأن القانون ينطوي على شبهات دستورية.ومع تقديرنا لوجهة نظر القضاة ورأيهم بالقانون، إلا أننا نختلف معهم، موضحين أن قانون مخاصمة القضاة ليست فيه شبهات دستورية، فهو لا يمسُّ استقلال القضاة ولا يتدخل في أعمالهم، فهو متوافق وأحكام الدستور، وإن كان على خلاف رأي القضاة، لأنه تطبيق لمبادئ دستورية مهمة عديدة بشأن المسؤولية والسلطة من جهة، كما أنه يعزّز ضمانات المحاكمة العادلة، بل هو يعزز فكرة العدالة وسُبل تحقيقها، كما أنه يضع فكرة حصانة القضاة في سياقها المنطقي، بعيداً عن فكرة الحصانة المطلقة، التي من شأنها أن تنزّه بشراً غير معصومين من الأخطاء، أو ربما الانحراف، ومن ثم ينبغي أن نتحرّر من وهم العصمة أو القدسية للقضاة، ولذلك فإننا نجد اليوم في الأنظمة القانونية المعاصرة أن مخاصمة القضاة ومحاسبتهم مبدأ مستقر في الدول، لما يحقق من ميزات، ومن يتخوّف من ذلك فليس له حجّة أو مبرر. وهو ما ندرك معه لماذا تتم المحاكمات على درجات، وكيف أن المحكمة الأولى يمكن أن تبطل حكماً أو تلغيه، كما يمكن محاسبة القضاة من قبل التفتيش القضائي، كما تراقب المحاكم بعضها بعضاً بأساليب وطرق مختلفة، وكل ذلك ينفي فكرة الحصانة المطلقة من جهة، أو وجود شبهات دستورية في القانون. ثم إن مجلس الأمة بصفته السلطة التشريعية يمارس اختصاصاً أصيلاً في تنظيمه للمحاكم وضمانات القضاة ومخاصمتهم، ولا إشكالية في هذا الخصوص.
أما ما يتم تداوله عن نيّة الحكومة لردّه، بناء على مطالبات من القضاة، فإن ردّ الحكومة للقانون سيكون خطيئة، لأنّ رده يخالف مبادئ دستورية وينزل القضاة منزلة أعلى من الدستور، وذلك غير جائز، بل سيجعل الحكومة في موضع المساءلة السياسية؛ لأنها تعرقل الاختصاص التشريعي لمجلس الأمة، وأتمنى أن تبدأ الحكومة في تغيير منهجيتها نحو مزيد من الشفافية وتكريس الرقابة والمحاسبة على كل المستويات، دون أن يُستثنى أحد، كلٌّ حسب نظامه وعمله واختصاصه، بما في ذلك القضاة. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الحوار الوطني، الذي عقدته جمعية الشفافية الكويتية عام 2008 وشارك فيه 300 شخصية سياسية وأكاديمية ومهنية ومن جميع أطياف المجتمع، انتهى بتوصياته إلى إصدار قانون مخاصمة القضاة، وهو صدر بعد تأخير لمدة 12 عاماً، وعليه ملاحظات لا بدّ من استكمالها ليكون نظاماً فعالاً، ولا يكون قاصراً بوضعه الحالي، إلا أن من واجب الحكومة دعم البناء المؤسسي للسلطات، ومنها القضاء، ومن ضمن بنائه، لا شك، تنظيم مخاصمة القضاة بقانون، وهي كانت خطوة يُفترض صدورها بالتزامن مع صدور الدستور في عام 1962.