عرف الكويتيون لبنان منذ حوالي 100 عام مضت، ومن خلال متابعتي لحصر أسماء أوائل الكويتيين الذين وصلوا إلى لبنان، تبيَّن لي أنه في عام 1925 سافر الشيخ فهد السالم والمرحوم عبدالقادر الإبراهيم للدراسة في بيروت، وفي عام 1928 سافر مجموعة من أبناء عائلة الهاجري الكريمة لغرض التجارة، أتذكَّر منهم إبراهيم ناصر الهاجري، وشقيقه يعقوب، وابن عمهم أحمد عبدالله الهاجري.

وفي عام 1932 سافر الأديب والمؤرخ بدر خالد البدر للدراسة في كلية برمانا العالية، وبدأ عدد الكويتيين المسافرين إلى لبنان يزداد بعد ذلك تدريجياً.

Ad

وكان والدي، يرحمه الله، روى لي بأسلوب شائق ذكريات سفره لأول مرة إلى لبنان في عام 1943، واستغرقت مدة وصوله إلى بيروت نحو أسبوع كامل، وعلى مراحل متعددة، من ركوب السيارة والقطار والباص، حتى وطئت قدماه بيروت!

وكانت مفاجأة الوصول في ظل أجواء حرب مشتعلة ومدرعات تجوب الشوارع بكثافة، والقوى الوطنية اللبنانية محتشدة تهتف مطالبة بالاستقلال، وتندد لطرد الاستعمار الفرنسي.

وفي ظل هذا الوضع "المكهرب"، حار الوالد ماذا يفعل، وحوله جنود بكثرة في الشوارع، لونهم أسود، ولا يتكلمون اللغة العربية ولا الإنكليزية، فتبيَّن له أن هؤلاء جنود المستعمرات الفرنسية، وأتى بهم المستعمر الفرنسي لردع التظاهرات.

ولم ينقذ والدي إلا موطن لبناني شهم، أشار عليه بالذهاب إلى الجبل، فهو آمن وهادئ!

وبكل تأكيد كان الوالد لا يعرف ماذا يقصد من الجبل، وأين مكانه... وظن أن عليه تسلُّق الجبل، والاختباء في الكهوف، كما كان يسمع في قصص الأساطير!

فردَّ الوالد: "اترك عنك الجبل، وأبي أرجع ديرتي الكويت هونت، مابي لبنان"!

السالفة طويلة... وكان اللبناني يقصد الذهاب إلى إحدى قرى الجبل، كما نعرفها الآن، بواسطة الباص الذي يسميه اللبنانيون (البوسطة)، كما كانت تغنّي فيروز أغنيتها المشهورة "يا هدير البوسطة"!

وظن الوالد أن "البوسطة" هي سيارة بريد لرواج هذه التسمية في ماضي الوقت.

وعند الباص أراد الوالد أن يركب، فمنعه السائق، وقال: "ما في مطرح"، ويقصد أنه لا يوجد مكان خالٍ، فظنَّ الوالد أن المطرح هو الوسادة القطنية التي نجلس عليها، بما يعرف لدينا في لهجتنا الكويتية (المسند والمطرح)!

فردَّ الوالد، قائلاً له: "يا ولد الحلال ما يحتاج مطرح، حالي حال الناس في الباص"!

بقية التفاصيل في حلقات أخرى بإذن الله.

أما الصورة فقد التُقطت في عام 1943، ويبدو والدي ناحية اليمين، أما الذي في الشمال يلبس الفروة، فهو صديقه المرحوم محمد سليمان العتيبي.