شرع مجلس الوزراء، هذا الأسبوع، في اتخاذ إجراء جديد للتعامل مع تداعيات انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد المحلي، لاسيما في الشق المالي، عبر إرسال مشروع قانون إلى مجلس الأمة، لوقف استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة المقدرة بـ 10 في المئة من إجمالي الإيرادات النفطية، لتوفير اكثر من 1.4 مليار دينار لهذه السنة المالية 2020 -2021.ورغم أن هذا الإجراء مبرّر من ناحية انتشار الفيروس وتداعياته، فإنه لم يخرج عن جملة الإجراءات المالية الدفاعية قصيرة المدى، التي قدمتها الحكومة خلال الازمة، دون تقديم خطة اصلاح اقتصادي شاملة، اذ ان اجراءات مثل وقف الاستقطاع من احتياطي الاجيال، الى جانب توريد الارباح المحتجزة من مؤسسة البترول الكويتية، والتوجه لخفض ميزانية الجهات الحكومية هذا العام بحد أدنى 20 في المئة، وحتى إقرار قانون الدين العام، رغم وجاهة بعضها، خصوصا توريد الارباح المحتجزة، لا تمثل شيئا جوهريا من الناحية الاقتصادية، وإن جمعت للدولة ما يتجاوز 30 مليار دينار في عام واحد.
ضريبة وكلفة
هذه الأموال المتوقعة من الاجراءات المالية الدفاعية قصيرة المدى، رغم ضخامتها، لها ضريبة وكلفة اقتصادية ومالية كبيرة، أولها أنها جاءت نتيجة خفض كبير في سياسات التحوّط المعتمدة ماليا، كالمحافظة على الحدود الدنيا من الاستدانة، إذا أُقر قانون الدين العام، او التخلي عن سياسات الادخار السنوية عند وقف استقطاع احتياطي الأجيال، وثانيها انها تتعامل مع العرَض ولا تعالج المرض، لأن هذه الأموال ستوجه في الأغلب لسد عجوزات الميزانية المتوقعة لهذا العام وما سيليه من سنوات ترتبط بتداعيات "كورونا" على الاقتصاد العالمي، خصوصا اسعار النفط، لا إلى معالجات اقتصادية جذرية تستهدف معالجة الاختلالات التاريخية للاقتصاد الكويتي، وثالثها أنها استثنائية ليس فقط في استخدامها، بل أيضا في امكانية توفرها مستقبلا، فالقدرة على الاقتراض تتراجع كلما ارتفع الدين العام، وتوريد الارباح المحتجزة إجراء قابليته للتكرار ضعيفة زمنيا وماليا. أما خفض المصروفات فربما يكون من الاجدر التعامل معه من باب الحد من الهدر في الانفاق، لا كمجرد اجراء تقشفي مؤقت، فضلاً عن ان وقف الاستقطاع -بكل ما يمثل من تخلٍّ عن سياسات التحوط- مرتبط أيضا بقيمة ايرادات النفط، التي ترتبط بتقلبات الاسواق العالمية اكثر من قدرتنا على التحكم بها.استفادة وآثار
ومن المفيد القول هنا أن هذه الخيارات في التعامل مع تداعيات "كورونا" لم تكن مطروحة لولا استنفاد الكويت لجانب كبير من احتياطيها العام، خلال سنوات سابقة، قبل ظهور الفيروس، اذ كانت قيمة الاحتياطي العام في سنة 2013 نحو 60 مليار دينار، تراجعت هذا العام الى نحو 18 ملياراً، بسيولة نقدية تناهز 7 مليارات من المتوقع استنفادها بحلول شهر سبتمبر المقبل، وبالتالي فإن تكرار نفس سياسات الصرف في السنوات الماضية لاستهلاك الاموال المتأتية من الاجراءات المالية الدفاعية سيستنزفها هي الاخرى، وبالتالي تكون القدرة على التعامل مع التحديات المتصاعدة في اضعف مستوياتها، ما دامت أسعار النفط منخفضة، وقد يؤدي ذلك الى تأثر الطبقة المتوسطة في المجتمع، عبر تقليص منظومة الامان الاجتماعي وحدوث ازمة بطالة بين الشباب، فضلاً عن احتمال تأثر حتى قيمة الدينار الكويتي. العلة هنا ان نفس الادارة التي تسببت في حدوث هذه الازمات هي من سيتولى مسؤولية إيجاد الحلول لها.أعباء ورواتب
فمثلا، اذا كانت الشكوى الحكومية اليوم من عبء باب الرواتب والأجور الذي يستهلك نحو 53 في المئة من الميزانية، فإننا امام ارقام مستقبلية رسمية تتوقع دخول نحو 400 ألف شخص الى سوق العمل، خلال 10 سنوات مقبلة، اي اكثر من عدد موظفي الدولة اليوم بنحو 30 ألفاً، مما قد يرفع قيمة باب الرواتب الحالية في الميزانية من 12 مليار دينار إلى نحو 24 ملياراً، بما يتجاوز ميزانية الدولة الحالية بجميع أبوابها بـ 1.5 مليار دينار، الأمر الذي يجعل عملية الاصلاح الاقتصادي، بكل اختلالاتها بسوق العمل، والايرادات غير النفطية، والتركيبة السكانية، وحجم وفعالية القطاع الخاص ضرورةً لا خياراً، فأي دولة في العالم تستنزف مصداتها المالية قصيرة الأمد على مناحي إنفاق غير ضرورية او محدودة الكفاءة الاقتصادية مثل الكويت ستكون ماليتها مهددة بالانكشاف على أي ازمة قادمة لا قدرة لدينا غالباً على التحكم في معطياتها او نتائجها، وهذا الامر ليس مرتبطا فقط بتداعيات أزمة كورونا، بل بأزمات متعددة بعضها مرتبط بضعف الطلب على النفط لأي سبب كان، او حتى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.«إبر بنج»
مع حتمية الاصلاح الاقتصادي الشامل، فإن التجارب التاريخية للادارة العامة في الكويت لا تتيح أي قدر من التفاؤل، فالحل الحكومي المعتاد لا يتجاوز انتظار "إبرة بنج" تتمثل في انتظار ارتفاع اسعار النفط، لتغطية العديد من عورات الاقتصاد، فقد حدث ذلك اكثر من مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، الى اخر هبوط قياسي للنفط عام 2014 وتداعياته على السنوات اللاحقة، والتي تميزت فيها الحلول ما بين عدم القدرة على اتخاذ القرار او الانحراف عن مقاصد الإصلاح الحقيقية.