عاد التفاؤل إلى أسواق النفط الأسبوع الماضي في ظل مواصلة أسعار النفط لكل من مزيج خام برنت وغرب تكساس الوسيط مسارهما التصاعدي، بعد التراجعات التي شهداها الأسبوع السابق. إذ أنهى مزيج خام برنت تداولات يوم الجمعة مرتفعاً إلى مستوى 42.19 دولاراً للبرميل (8.9 بالمئة على أساس أسبوعي، 19.4+ بالمئة منذ بداية الشهر)، بينما ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ ثلاثة أشهر، ليغلق عند مستوى 39.75 دولاراً للبرميل (9.6+ بالمئة على أساس أسبوعي 12.0+ بالمئة منذ بداية الشهر).وحسب الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، أنه على الرغم من أن سعر مزيج خام برنت ما زال منخفضا بنسبة 36 بالمئة منذ بداية العام حتى تاريخه، فإنه قد تمكّن من تعويض أكثر من نصف خسائره منذ انخفاضه إلى أدنى مستوياته المسجلة ببلوغه 19.33 دولارا للبرميل (70- بالمئة منذ بداية العام الحالي حتى تاريخه) في 21 أبريل.
وتمثّل المكاسب الأسبوعية التي تم تحقيقها يوم الجمعة الماضي ارتفاعاً لأسعار النفط على مدى سبعة أسابيع من أصل الثمانية الماضية، ويأتي ذلك على خلفية إشارات تدل على تزايد الطلب على النفط في الولايات المتحدة، ودلائل أخرى تشير إلى أن مجموعة "أوبك" وحلفاءها تخطو بشكل ثابت نحو تقليص حصص الإنتاج، على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن الموجة الثانية من تفشي وباء كورونا.وقد ساهمت هذه المخاوف في زعزعة استقرار الأسواق على مدار الأسبوع السابق، مما قد يبطئ أو ينهي الاتجاه التصاعدي الذي اتخذته أسعار النفط منذ أواخر شهر أبريل. وشهدت الدول (من الصين إلى الولايات المتحدة) التي عادت لفتح اقتصاداتها بعد الحظر المفروض لاحتواء تفشي الفيروس، تسجيل (وما زالت تسجل) ارتفاعا في عدد حالات الاصابة بالفيروس. وقد تفاقمت تأثيرات الاتجاهات الهبوطية التي اتخذتها الأسعار على خلفية ظهور بعض الدلالات التي أشارت إلى إمكان عودة النفط الصخري الأميركي مجدداً إلى الواجهة، بعد أن صرحت العديد من شركات الطاقة الأميركية بعزمها بدء تشغيل آبار النفط الصخري بعد ارتفاع أسعار النفط.إلا أن التوقعات بحدوث انتعاش اقتصادي تظل ضعيفة وغير مؤكدة، مما دفع "الاحتياطي الفدرالي الأميركي" إلى البدء في عمليات شراء سندات الشركات، بهدف تهدئة مخاوف السوق. كما استقبلت الأسواق النمو القياسي لبيانات مبيعات التجزئة الأميركية (مايو) بارتياح كبير.
تعزيز نشاط السوق
كما كان إقدام "أوبك" وحلفائها على تقليص حصص الإنتاج عاملاً رئيسياً ساهم في تعزيز نشاط أسواق النفط، إذ أسهمت في سحب المخزونات وإبطاء النمو القياسي الذي شهدته أخيراً. وقد استجابت أسواق العقود الآجلة لتلك التطورات وبدأت تستقر، كما أظهرت منحنى أسعار العقود الآجلة للنفط أخيراً ارتفاع السعر الفوري عن المستقبلي (أسعار تسليم النفط للشهر الأول تتحرك أعلى من أسعار تسليم الشهر الثاني)، وتلك هي المرة الأولى التي نشهد فيها حدوث ذلك منذ شهر مارس الماضي، مما يشير إلى تراجع الإمدادات على المدى القريب – كنتيجة مباشرة لقيام "أوبك" وحلفائها بتقليص حصص الانتاج، وبدرجة أقل، نتيجة لتراجع إمدادات النفط الصخري الأميركي الناتج عن توجهات السوق.وأكدت الدول الأعضاء التزامها بخفض إجمالي حصص الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، إذ نجحت في خفض الإنتاج بمقدار 8.44 ملايين برميل يومياً في مايو، أي بمعدل 87 بالمئة في أول شهر كامل من الالتزام بالاتفاقية (الرسم البياني 3). وبلغ معدل امتثال الدول العشر الأعضاء بمنظمة "أوبك" 84 بالمئة، إذ سجلت السعودية معدل امتثال بنسبة 100 بالمئة (2.52- مليون برميل يومياً، ليصل إنتاجها إلى 8.48 ملايين برميل يومياً) والكويت بنسبة 95 بالمئة (0.61- مليون برميل يومياً، ليصل انتاجها إلى 2.20 مليون برميل يومياً) والإمارات بنسبة 96 بالمئة (0.69- مليون برميل يومياً، ليصل انتاجها إلى 2.48 مليون برميل يومياً)، والتي تعتبر جميعها معدلات مرتفعة.وعلى صعيد الدول غير الملتزمة بتطبيق الاتفاقية، جاءت العراق في الصدارة، إذ بلغ معدل امتثالها 46 بالمئة فقط من المستوى المستهدف بتقليص انتاجها بمقدار 0.48 مليون برميل يومياً مقابل 1.06 مليون المنصوص عليها ضمن الاتفاقية. وفي واقع الأمر، تم توجيه انتقادات للعراق علناً في الاجتماع الوزاري الأخير لمنظمة أوبك وحلفائها.كما جاء ضمن قائمة الدول التي لم تلتزم بحصصها المقررة كل من نيجيريا وأنغولا وكازاخستان، وقد تم الضغط على تلك الدول لإجراء تخفيضات أعمق وتعويضية على مدى الأشهر القليلة المقبلة، خاصة بعد أن تم الآن تمديد أمد الاتفاقية من الفترة المحددة اساساً بشهرين وبحد أقصى 9.7 ملايين برميل يومياً لمدة شهر إضافي.ومن المقرر أن تبدأ "أوبك" وحلفاؤها الآن في الحد من معدلات خفض الإنتاج اعتباراً من الأول من شهر أغسطس، من خلال السماح للمنتجين بزيادة الإنتاج بنحو 6 بالمئة (بالنسبة للكويت سيعني ذلك ارتفاع الإنتاج إلى 2.3 مليون برميل يومياً)، وخلال اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لـ "أوبك" وحلفائها الذي تم عقده نهاية الأسبوع الماضي، تعهدت كل من العراق ونيجيريا بتحسين معدلات امتثالهما. إذ تعهد العراق بتخفيض قدره 57 ألف برميل يومياً أقل من حصته المقررة في يونيو و258 ألف برميل يومياً في شهري يوليو وأغسطس. وتظل مسألة ما إذا كان العراق سيلتزم بتحقيق أهدافه فعلا أم لا من الأمور غير المعروف نتائجها، إلا أن بعض التقارير المشجعة تفيد بأن الحكومة العراقية طلبت من شركة النفط الكبرى BP خفض الإنتاج بنسبة 10 بالمئة في حقل الرميلة النفطي العملاق الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى 1.5 مليون برميل يومياً، كما طلبت من المصافي الآسيوية التخلي عن بعض شحنات النفط المتعاقد عليها.وتشير التقديرات إلى أن إجمالي المعروض العالمي من النفط قد انخفض بمقدار 11.8 مليون برميل يومياً، أي حوالي 12 بالمئة في مايو، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الصادر في شهر يونيو. كما ساهم قيام الدول غير المنضمة للاتفاقية (مثل الولايات المتحدة وكندا) بخفض إنتاجها بحوالي مليوني برميل يومياً، في تعزيز جهود "أوبك" وحلفائها لتقليص الإنتاج بمعدلات قياسية. وتلك التخفيضات لم تنبع عن تدابير منظمة، بل جاءت مدفوعة بتحركات الأسعار. ووفقاً لأحدث التقارير الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، انخفض إنتاج النفط الخام الأميركي إلى المستويات المسجلة في عام 2018 وصولاً إلى 10.5 ملايين برميل يومياً، كما في الأسبوع المنتهي في 12 يونيو. ويمثل ذلك المعدل تراجعاً بنسبة 20 بالمئة تقريباً (2.6 مليون برميل يومياً) مقارنة بمستويات الذروة التي بلغت 13.1 مليونا في فبراير، بما يوازي التخفيضات الطوعية التي طبقتها السعودية في إطار اتفاقية "أوبك" من حيث النسبة المئوية والكمية.وقود النقل
تحسّن الطلب على النفط وإن كان بوتيرة بطيئة، بدعم من انتعاش الصين خلال الشهرين الماضيين، باعتبارها أول اقتصاد كبير يرفع حالة الحظر. إلا أنه من المقرر أن يشهد النصف الثاني من العام انتعاشاً في الطلب على نطاق أوسع في ظل استعادة مستهلكي النفط الرئيسيين نشاطهم الاقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، تشير التوقعات إلى تقلّص الطلب على النفط بمستويات غير مسبوقة لعام 2020 بواقع 8.1 ملايين برميل يومياً في ظل التراجع الشديد للطلب على وقود النقل البري والجوي (مثل وقود الطائرات / الكيروسين). وتشير تقديرات اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) إلى تراجع حركة المسافرين جواً في عام 2020 بنسبة 55 بالمئة تقريباً، مقارنة بمستويات عام 2019، ولا يتوقع لها أن تتعافى حتى عام 2022.ومن جهة أخرى، من المقرر أن ينمو الطلب الاجمالي على النفط بمقدار 5.7 ملايين برميل يومياً خلال العام المقبل، ليصل إلى 97.4 مليون برميل يومياً، إلا أنه من غير المرجح أن يصل إلى مستويات 100 مليون برميل يومياً التي شهدنها قبل تفشي الجائحة حتى عام 2022.وبالاعتماد على توقعات الطلب التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية وتوقعات العرض من خارج منظمة أوبك، وعلى افتراض الامتثال الكامل للدول العشر الأعضاء بالمنظمة خلال النصف الثاني من العام الحالي، من المتوقع أن تنخفض المخزونات العالمية بواقع 5 ملايين برميل يومياً في المتوسط خلال النصف الثاني من العام، وفقاً لتقديراتنا (الرسم البياني 4). ومع انخفاض المخزون النفطي ونقص الإمدادات، من المتوقع أن تتحسن أسعار النفط خلال الفترة المقبلة في ظل قيام منظمة أوبك وحلفائها بتخفيضات عميقة. وبالتالي فإن الطلب هو من سيقود التعافي، إلا أن ازدياد أعداد المصابين بفيروس كورونا، بعد عمليات الحظر، أطلق تحذيراً بأن المخاطر ما زالت تؤثر على أسواق النفط.