نجوم البحر *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
رفعوا الشكاوى المتكررة، ولكن بقي السؤال لمن يشتكون، فالقاضي ومرتكب "الجريمة" مهما كانت صغيرة، الاثنان متقاربان حد الشبه، فلا يرى أي منهم ما يفعله بأنه انتهاك للطبيعة ولحق الآخر والعدالة الجماعية، بل ردد عليهم أكبرهم سنا "الشكوى لغير الله مذلة"، لم يبالوا بنصائحه وحكمه المعتقة في أباريق الخوف الذي لم يخرج من تحت جلدنا بعد، قالوا نحن في البحر أحرار بصوت الصمت فلم نخاف أن نسمع صوتنا على الأرض؟ بدؤوا بمحاربة رمي المخلفات في البحر، ووضعوا اليافطات بأنفسهم، فجاءت البلدية لتعاقبهم هم فقط، تفاوضوا مع رئيس البلدية وهو يجلس خلف مكتبه الوثير وأمامه منفضته بسيجار الكوهيبا الفاخر، بالطبع لم يكونوا يعرفون شيئا عن أصناف السيجار حتى شرح لهم أصغرهم عمراً، وهو المطلع والمتعلم الذي لم يجد وسيلة للرزق سوى صيد البحر، ثم عشقها، فلم يعد قادراً على أي فعل آخر، صافحهم رئيس البلدية بشيء من "القرف"، فأياديهم خشنة من تلك الشباك وبقايا ضربات الأسماك الضخمة وهي تقاوم صائدها، وأظافرهم غير مقصوصة بعناية كما هو، أما ملابسهم فتفوح منها رائحة ماء البحر، وعلى وجوههم بقايا ملحه، أي ملح بحرهم. خرجوا متوجسين من نظراته الأخيرة وهو يعدهم خيراً، بل أعطاهم درسا طويلا حول محاولة البلدية المسؤولة عن ذاك الشاطئ العام في المحافظة على نظافته، ولكن "ماذا نفعل مع شعب همجي؟"، ردد أحدهم: غضب، وأن ذاك ظاهر على وجهه، وتصور أنه المعني بالشعب الهمجي، عند خروجهم من مكتبه الفخم في ذاك المبنى العريق من أيام الدولة العثمانية، قال لهم لماذا تركتونا نسكت عن هذا "..."؟ساروا هم نحو بحرهم، ركبوا قواربهم، بقيت نجومهم مرسومة فوق صفحة ماء ذاك البحر وهم يتغزلون به ليلا عندما يستر الظلام فوضى تلوثهم، ثم يعودون ليكرهوه في الصباح، وبعد الظهيرة ينظرون إلى كل أولئك المصطفين رافعين أصوات الراديو على صخب لا يمكن تسميته إلا بالتشويه السمعي، تلوث بصري وسمعي وبيئي حتى السمك الذي يصطادونه رفضه الكثيرون خوفا من تلوث تسببوا هم فيه، امتلأت الأسواق بالسمك المستورد وفضله "الآكلون" كما يفضلون كل ما هو غريب عن تلك الأرض، ولكنهم بقوا أوفياء له ولطقوسهم اليومية حتى ساعة الفجر.* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.