مثل المجتمعات الأخرى، وقف مجتمع الكويت على ما تركته «كورونا» من آثار ومن عِبر، بعضُها مزعج كلّف الكويت الكثير من الخسائر، لكن بعضاً منها فتح الأعين على وقائع مخفية، ليست مريحة وفيها مخاطر على المجتمع، ومنها ما وفّر دروساً ربما تستفيد منها الكويت:أولاً: لم أتصور، ولا غيري تصور، حجم المفرقعات الداخلية ونوعية المتفجرات، التي كانت ساكنة لكنها قابلة للاشتعال وقادرة على تدمير أعمدة السكينة والاطمئنان في الكويت!
اكتشفنا الحجم الهائل من العمالة الهامشية، التي استحضرتها كتائب تجار البشر بدعم من نافذين ومن مؤتمنين في الأجهزة الأمنية، ولم أكن شخصياً أتصور الأعداد المربكة المخالفة لقانون الإقامة، ومن عناصر كثيرة تعمدوا إضاعة وثائقهم، لكي تتورط الكويت في بقائهم.بلد صغير منفتح مهدد من الاضطراب الإقليمي لا يمكن أن يرتاح شعبه ويعيش في استقرار، وسط هذا المناخ القابل للاشتعال، فمن عناصر الحصاد إنهاء هذه المشكلة بجعل بقاء الجميع قانونياً.ثانياً: نقف بقوة لنتمعن في بنية الدولة الرعوية، التي تتعهد بكل شيء لكل مواطن، معتمدة على دخل من مصدر واحد لا تتحكم في مسيرته ولا في أسعاره ولا في تسويقه ولا في تكنولوجيته، ولا تتحكم في تقلباته، ونقطة حصاد «كورونا» هي التوصل إلى مصادر جديدة للدخل وتوجيه الكويت نحو المنهج الطبيعي، الذي تسير فيه الدول، بإشراك المواطن في الأعباء، كلٌّ حسب طاقته. ثالثاً: لا مفر من التخلص من الشحوم الثقيلة في جسم الدولة، وترشيق القطاع العام والتوجه نحو الخصخصة بفتح الأبواب للقطاع الخاص في الخدمات ودعم خطواته للتصنيع المبني على التكنولوجيا الحديثة، التي لا تتطلب عمالة، مع استقبال العمالة المناسبة، وإقرار مبدأ إدخال من يضيف شيئاً للكويت.رابعاً: أن تتبنى الهيئات المختصة بشؤون الأمن والاستقرار، مثل الداخلية والحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني، سياسة الترابط والانسجام وتبادلية المعلومات والتنسيق، بحيث يوجد في الكويت من تحتاج إليه الكويت، ومن له اختصاص وقدرة على العطاء، فواقع الكويت الأمني والموقع الجغرافي والنظام الداخلي لا يستوعب سياسة الانفتاح، ولا يتفق مع مدلولات الشعارات بأن الكويت واحة مفتوحة.خامساً: التوجه وبقوة نحو تسخير التعليم في اتجاه التأهيل الفني والحرفي والتكنولوجي، وتحويل الطاقة الشبابية نحو ما تحتاج إليه الكويت، ويتم ذلك وفق سياسة التوطين المفتوحة، في كل المجالات، ومع مرور الوقت سيتراكم العدد الذي يوفر للكويت الاعتماد على إمكاناتها.سادساً: غرس الحس الأمني لدى المجتمع بالتثقيف والتوجيه، وجعل الاستشعار بضرورات الأمن والاستقرار ثقافة كويتية عامة تضخها أجهزة الإعلام وتدعو لها المراكز الثقافية، لكي تصبح وعياً مرافقاً دائماً للمواطن.سابعاً: من الطبيعي أن تبرز سطوة الحكم، مرتكزة على القانون في التطبيق الحازم للنظام العام في البلد، والتصدي لما قد يبرز من مخالفات وعبثيات لم تستوعب نهج الحزم وسيادة القانون، واعتادت التسامح وتبسيط مفاهيم الأمن، لكي تستحوذ على مكاسب مادية من تجارة البشر، فأهم العناصر في حصاد «كورونا» هو غرس ثقافة الأمن والحذر في هيكلة الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونردد بأولوية مبدأ صحة الأبدان وأمن الأوطان.أعتقد أن حصاد «كورونا»، رغم ما خلفه من دمار، سيستحضر حصيلة إيجابية مختلفة لمجتمع الكويت ولدولة الكويت. الدهشة المحتارة كانت على وجوه الكويتيين عندما اكتشفوا مخاطر التكدس البشري داخل بلدهم، فلم يصدقوا أن تلك الصورة تبث من خيطان وجليب الشيوخ ومن وسط الكويت، فصدرت صرختهم القوية بضرورة وضع نهاية لتلك المناظر المروعة، التي أصابت حياة الارتخاء التي عاشوا فيها، فخرجت الأصوات بفصل جديد خالٍ من التحديات التي ولدتها التركيبة السكانية، وهذا الانقلاب هو أبرز حصيلة في سلة الحصاد.* عبدالله بشارة الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربي
مقالات
حصاد الكويت من «كورونا»
29-06-2020