في هذه الفترة من عام 2016 شارك 72% من الناخبين البريطانيين في الاستفتاء المرتبط بالاتحاد الأوروبي، وبعد مرور أربع سنوات أصبحت التحولات في السياسات المعمول بها واضحة، لكنّ العواقب المترتبة على السياسة العامة بقيت محدودة، وباختصار يبدو أن خطة "بريكست" غيّرت كل شيء ولم تغيّر شيئاً في الوقت نفسه!في المقام الأول لا مفر من أن تتأثر علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، وقد شهدت أصلاً تغيرات كبرى بعد الاستفتاء، كذلك التزم المعنيون بنتيجة الاستفتاء رغم الشكوك السائدة في هذا المجال، وانتهت عضوية بريطانيا في 31 يناير، ويبدو أن الانفصال سيكون حاداً بما يفوق توقعات عدد كبير من المراقبين حينها.
كان الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أصعب مما اعترف به مؤيدو هذا الخيار، فقد أكدت هذه العملية صحة ادعاءات المشككين بأوروبا الموحدة، مما يعني أن الاتحاد الأوروبي تسلل إلى أعمق زوايا الحياة الوطنية، لذا لا مفر من أن يترافق الانسحاب مع أضرار واسعة، ففي أيرلندا الشمالية وإسكتلندا، بدأت خطة "بريكست" تُضعِف تسويات تفويض السلطة التي صُمّمت في الأصل بما يتماشى مع شروط الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي.على صعيد آخر، قد يكون التحول الدستوري بطيئاً، لكنّ التحولات الحاصلة في السياسات المعتمدة كانت متسارعة، فقد شهدت فترة ما بعد الاستفتاء تطورات كثيرة، منها إعادة التأكيد على هيمنة الحزبَين الأسياسيَين، وتغيّر قاعدتهما الانتخابية وقيادتهما، وحصول عدد من الإقالات، وانتصار حزب المحافظين في معاقل حزب العمال.كذلك، تفوقت السياسة بكل وضوح على جميع الاعتبارات الأخرى، إذ تبدو حكومة بوريس جونسون ملتزمة بتنفيذ بنود "بريكست"، لكنها تحرص على تطبيقها بما يتماشى مع خطة استرجاع سيطرة بريطانيا على أموالها وقوانينها وحدودها، وأصبحت تداعيات هذا المسار على مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي واضحة، فقد عبّر مستشار رئيس الحكومة ديفيد فروست عن حقيقة الوضع في خطاب له في بروكسل في فبراير 2020، حين قال إن "بريكست" تعني في المقام الأول إطلاق "ثورة ضد النظام"، وهي تهدف إلى استعادة "القدرة على تصحيح القوانين بما يتماشى مع ظروف البلد".نتيجةً لذلك، سيكون أي اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي محدوداً نسبياً منعاً لتكرار الوضع السابق، مما يعني تغيّر أساليب التجارة بين بريطانيا والاتحاد وتبدّل أنماط التعاون في مسائل تتراوح بين مكافحة الإرهاب والدفاع. بعبارة أخرى، كانت هذه المسيرة كلها متقلّبة وشائكة، فقد تكون التغيرات الحاصلة مدهشة ومهمة، لكن يُفترض ألا تطغى على استمرار وضع المراوحة في مجالات أخرى.وفي حين كانت الحكومة تستعد لطرح نظام الهجرة الخاص بالمهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي، اعترف جونسون وتيريزا ماي بأن التصويت لم يكن يقتصر على موضوع الهجرة وحده، بل إنه يتعلق فعلياً بإطلاق مرحلة جديدة في البلد ككل، لكن لم يتحقق شيء منها بعد على أرض الواقع، حتى يناير 2020 أجّلت خطة "بريكست" جميع المسائل الأخرى التي كانت على جدول أعمالها، ثم ظهر فيروس "كوفيد-19" ورسّخ الوضع القائم، ونظراً إلى انعكاس هذه العوامل سلباً على الاقتصاد، سيكون الانتقال إلى مراحل جديدة أصعب مما كان عليه بعد إجراء الاستفتاء مباشرةً.لكن في الوقت نفسه، زاد الوباء أهمية التحرك لمعالجة مظاهر اللامساواة القائمة منذ فترة طويلة، فكشفت دراسات متلاحقة أن تداعيات الفيروس كانت غير متكافئة بأي شكل، فقد أساء الوباء إلى المدن المحرومة بشكلٍ أساسي واتّضحت آثاره في معدلات الوفيات وتدهور الوضع المادي للأُسَر في تلك المناطق.اليوم، تزداد الأسباب والحجج السياسية التي تبرر تكثيف الخطوات العملية، حيث وصل جونسون إلى السلطة عبر بناء تحالف يشمل الناخبين السابقين لحزب العمال، علماً أن هذه الفئة لا تريد تنفيذ "بريكست" بكل بساطة، بل تتوقع من الحكومة أيضاً أن تخدم مصالحها الاقتصادية.بعبارة أخرى، أصبح التحرك في الظروف الراهنة أصعب وأكثر إلحاحاً مما كان عليه في أي مرحلة سابقة منذ الاستفتاء، وحتى الآن أدت الوعود المتلاحقة على مر أربع سنوات إلى خطوات محدودة على أرض الواقع، واليوم، بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حان الوقت كي تنفذ الحكومة وعودها.* أناند مينون* «الغارديان»
مقالات
بعد أربع سنوات على استفتاء «بريكست»... تغيرات كبرى ومحدودة!
30-06-2020