بحجة فيروس كورونا واستياء الرأي العام، اتخذ رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو سلسلة من الخطوات لإضعاف معارضيه قبل موعد الانتخابات البرلمانية في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ففي 12 يونيو، عيّنت المحكمة العليا التي تسيطر عليها الدولة خمسة أعضاء في المجلس الانتخابي الوطني الفنزويلي المُكلّف بإدارة الانتخابات وتنظيمها وتنفيذها، شملت هذه المجموعة عدداً من الموالين القدامى لمادورو ومنشقين عن المعارضة.من المتوقع أن يؤدي إحكام السيطرة على الهيئة الانتخابية بهذا الشكل إلى إضعاف نسبة المشاركين في الانتخابات وإحباط معظم الفنزويليين الراغبين في حصول تغيير في الحكومة، فعمد مادورو أيضاً إلى تعليق مجالس قيادة ثلاثة أحزاب من بين أحزاب المعارضة الأربعة الأساسية وتسليمها إلى أعضاء سابقين أكثر تساهلاً.
كان انتهاك الحقوق الديمقراطية بهذه الطريقة الفاضحة سببا لدفع آلاف الفنزويليين إلى النزول إلى الشوارع في الحالات العادية، لكنّ الوضع مختلف اليوم لسببَين:أولاً، كان فيروس "كوفيد-19" العذر المثالي الذي يحتاج إليه النظام لتوسيع سيطرته على التحركات الشعبية واحتواء أي ضغوط متنامية، فرغم مطالبة رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو ومناصريه بالسلطة، أوضح فيروس كورونا أن مادورو هو الذي يسيطر على أركان الدولة.ثانياً، لم يكن تلاعب مادورو بالانتخابات كافياً لإحداث ردة فعل شعبية قوية بسبب استراتيجية المعارضة في آخر 18 شهراً.اتّكل تحالف غوايدو بشكلٍ أساسي على دعم لاعبين خارجيين، لا سيما الولايات المتحدة، لتجريد مادورو من سلطته وترجيح كفة ميزان القوى لمصلحة المعارضة، على أمل أن يحصل تفكك داخل القوات المسلحة في نهاية المطاف، ففي البداية، أوحت هذه المقاربة بأن حل الصراع ممكن على المدى القصير، لكن في ظل العجز عن تغيير القيادة عملياً، ساد جو من الإحباط التام.يستطيع مادورو أن يقوم بما يريده من دون أن يجازف بخسارة سيطرته على البلاد، فعلى الساحة الدولية، لم يكن احتمال التدخل الخارجي صادقاً بما يكفي يوماً كي يغيّر النظام سلوكه، ونظراً إلى رغبة دونالد ترامب الواضحة في مقابلة مادورو (عاد وتراجع عن موقفه) والمعلومات الواردة في مذكرات جون بولتون الجديدة عن دعم الرئيس الأميركي لغوايدو، أصبح أي تدخّل مستبعداً بالكامل اليوم.بسبب غياب أي جهة داخلية قوية ومتماسكة لدعم التحركات الدولية، تلاشت الضغوط التي فرضها المجتمع الدولي، ونتيجةً لذلك، قد تحصل عملية انتقالية داخل الحركة التشافيزية التي تعطي الأولوية للاستقرار الاقتصادي فيما تتعامل الدول مع تداعيات فيروس كورونا اليوم، فمن وجهة نظر مادورو، تعني كلفة خسارة السلطة أن أي خطوات قد تتخذها الجهات الخارجية رداً على قمع المعارضة تستحق المخاطرة، لذا اتخذ مادورو الخطوات اللازمة كي تصبّ نتائج الانتخابات البرلمانية في مصلحته، مع أن المعارضة قد لا تشارك في تلك الانتخابات أصلاً. يدرك مادورو أن الانتخابات الوطنية قد تعطي المعارضة فرصة نادرة لإعادة توحيد صفوفها وتعديل استراتيجيتها، وحتى في الظروف الراهنة تكشف الاستطلاعات أن ثلث الناخبين مستعدون للتصويت ضد مادورو إذا طلبت منهم كتلة غوايدو فعل ذلك، وسيصوّت حوالي ثلث الناخبين أيضاً للحركة التشافيزية، لكن تبدو فرص المعارضة لكسب تأييد المزيد من الداعمين لقضيتها أفضل من فرص الحكومة. ما الذي سيحصل في المرحلة المقبلة إذاً؟ استنكرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و"مجموعة ليما" ممارسات التلاعب بالانتخابات من جانب مادورو، وأعلنت هذه الجهات أنها لن تعترف بنتائج التصويت البرلماني في الظروف الراهنة، لكن لا يُحدِث هذا الموقف أي تغيير حقيقي بنظر النظام مقارنةً بما واجهه سابقاً، ففي الوقت نفسه، يوضح غياب التحركات الشعبية إلى أي حد خسر قادة المعارضة نبض الشارع.إذا بقيت الأوضاع الراهنة على حالها، فقد تتفكك المعارضة لدرجة أن تحتاج إلى سنوات قبل أن تعيد بناء نفسها، وعلى قادتها أن يُجمعوا سريعاً حول خطة عمل متماسكة تهدف في المقام الأول إلى تجديد روابطها مع عامة الناس، فلا يمكن توجيه مشاعر الرأي العام بما يضمن تحدي مادورو وحكومته إلا عبر خطة موحّدة وواضحة،أصبح الوقت عاملاً جوهرياً اليوم، فإذا لم تتحرك المعارضة بسرعة، يزيد احتمال أن يستغل مادورو الظروف لتحويل التشافيزية إلى قوة مُهيمِنة حقيقية. * فيليكس سيجاس رودريغز* «أميركان كوارتيرلي»
مقالات
مادورو يُحكِم قبضته على فنزويلا
30-06-2020