كشفت تداعيات انتشار فيروس كورونا في الكويت عن أزمة عميقة في بيئة اعمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تتعدى الشكل كنوعية المشاريع الاستهلاكية، التي تقدمها معظم هذه النوعية من المشاريع، الى المضمون، من حيث تحولها الى عبء على الاقتصاد، بدلا من ان تكون داعما له حسب الهدف من إنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.فالصندوق الذي أُسس عام 2013 لم يحقق السواد الاعظم من اهدافه المعلنة رسميا، والتي رصد لها ملياري دينار، خصوصا الاهداف المتعلقة بـ"دعم الشباب ومحاربة البطالة وتمكين القطاع الخاص في تحقيق النمو الاقتصادي في الكويت، وبناء مجتمع ريادي يُحفّز أصحاب المشاريع على الإبداع ويُحقق فرص التنمية الاقتصادية في دولة الكويت"، إذ إن واقع الأرقام يشير الى مجموعة من الاخفاقات العميقة على مستوى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، رغم جودة الاهداف وأهميتها، مما يتطلب تدخلا عاجلا لتوجيه الصندوق الوطني لجادة تحقيق المنافع للاقتصاد، والتي لم يكن عليها منذ تأسيسه حتى اليوم.
تمويلات محدودة
وواقع الأرقام من بيانات وتصريحات رسمية يشير الى ان هناك بالفعل ازمة في محدودية التمويلات المقدمة للمبادرين، فالصندوق الوطني موّل 1380 مشروعاً منذ تأسيسه، غير ان الفعلي منها، من وقع العقود النهائية مع الصندوق، بلغ 870 مشروعا فقط، وهذا يعني ان المشاريع الفعلية تشكل 63 في المئة من المشروعات المعتمدة، وفي المتوسط السنوي للمشاريع الفعلية للصندوق نجد أنها بلغت 124 مشروعاً تقريباً في العام الواحد، وهو ما يناقض الخطة الاستراتيجية للصندوق نفسه، التي تستهدف تمويل 600 مشروع صغير ومتوسط في العام الواحد. كذلك انفق الصندوق 220 مليون دينار، خلال 7 سنوات، اي ما يعادل 11 في المئة فقط من رأسمال الصندوق البالغ ملياري دينار.قدرة محدودة
ولو كانت أزمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت مرتبطة بالتمويل فقط لانسحب الامر على البنك الصناعي أيضا، الذي مولت محفظته للمشروعات الصغيرة منذ عام 1998 نحو 1704 مشروعات، حتى نهاية عام 2018، بقيمة 153 مليون دينار فقط، غير ان الازمة في هذا القطاع اعمق من مجرد ضخ الاموال، رغم اهميتها، فمثلا نجد ان الاخفاق قد امتد الى قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على ان تكون رافدا، ولو ثانويا، لتوفير فرص العمل، اذ معظم المشاريع المعتمدة فعليا من الصندوق وفرت فرص عمل للشباب الكويتي بحدود 2000 وظيفة، بمعدل 2.29 وظيفة لكل مشروع، مع ان اهداف "الصندوق الوطني" المعلنة تشير الى ان المشاريع المستحقة للدعم هي توظيف من 1 إلى 50 موظفا كويتيا، مما يعني ان معدل فرص العمل للكويتيين في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يزال في حدوده الدنيا، في وقت تتوجس فيه الدولة من دخول نحو 400 ألف مواطن لسوق العمل، خلال 10 سنوات، سيزيدون بلا شك الضغط على ميزانية الدولة، إن لم تتوافر لهم فرص عمل في القطاع الخاص، لا سيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة.مصاعب المبادرين
أضف إلى ذلك ان تحديات اصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة متعددة ومتنوعة، وتتجاوز مسألة الاموال وفرص العمل الى معضلة الحصول على اراضٍ لاقامة المنشآت والمصانع، ولعل الكويت بسبب اختلالات وعدم عدالة التوزيع والندرة تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي يعني حصول فرد على ارض من الدولة دخوله قائمة الأثرياء، حتى قبل بدء العمل بالمشروع او الانتاج، وهذا ما يجعل العديد من المبادرين يستهلكون معظم رؤوس اموالهم خلال عام او عامين، ويقعون تحت وطأة مخاطر الافلاس او التعثر، الامر الذي يستوجب توزيعا فعليا وعادلا لاراضي الدولة على اصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصا أن الصندوق قد حصل مؤخرا على احقية تخصيص 10 في المئة من اي اراضٍ تطرحها الدولة، لتكون مخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي تعتبر فرصة تخفف العبء عن المبادرين، إن أُحسن استغلالها في اغراضها المحددة.هيئة ناظمة
بل ان من المنتظر ان يكون "الصندوق الوطني" هيئة ناظمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بحيث يمتد دوره الى خلق بيئة اعمال مناسبة للمبادرين تبدأ بتذليل عقبات الجهات الحكومية، الى صناعة الفرص الاستثمارية من خلال التنسيق مع مختلف الجهات الحكومية؛ كبلدية الكويت وهيئات الاستثمار الأجنبي "المباشر"، و"المناقصات" و"حماية المنافسة" و"الصناعة" و"إدارة املاك الدولة"، وحتى الجمعيات التعاونية، لكن الطموحات شيء والواقع أمر آخر تماماً، إذ ان الصندوق الوطني منذ تأسيسه انشغل بخلافات ادارية طويلة أثرت بلا شك على اداء الجهاز التنفيذي وقدرته على القيام بمهامه.فدروس أزمة "كورونا" يجب ان تكون ماثلة امام من يتخذ قرار الاصلاح في إعادة تأهيل دور الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأهمها معرفة احتياجات المجتمع الاساسية والتوجه لتحقيقها، فمثلا على مستوى السلع والخدمات كان هناك جانب من افتقار العديد من المنتجات المرتبطة بشبكة الامن الغذائي والصحي ومستلزماتهما، فضلاً عن الخدمات التكنولوجية التي تخدم سرعة الاعمال في ظل سياسات التباعد الاجتماعي.نظرة أشمل
المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تكون اساس الاقتصاد الانتاجي الحقيقي، بما تقدمه من فرص عمل وسلع وخدمات للمجتمع، بل وحتى عوائد ضريبية للدولة في مراحل لاحقة، وهي واحدة من اهم الحلول الجيدة لمعالجة اختلالات سوق العمل والايرادات العامة، وربما كل ما تحتاج إليه لتطويرها هو النظر اليها من زاوية الربط مع احتياجات الاقتصاد وعلاجها من هذا المنظور، كي يكون للإنفاق المالي على المشاريع الصغيرة والمتوسطة عائد اقتصادي على المدى الطويل.