لم أكن أتصور يوما أن أرى طوابير الخُبز في بلادي! مئات من البشر البائسة اصطفت في سطور ملتوية من أجساد واهنة حزينة وذليلة في عز فصل الصيف اللاهب، جاءت هذه الجموع للكويت «التي لا يجوع فيها أحد» لتتكسب لقمة العيش، فتحوّلت بهم الحال للتراصص والتكدس فوق بعضهم للحصول على سلّة غذائية أو أكياس خبز! أشارت الصور إلى حال لا يرضى به الإنسان الواعي على تداعيات هذه الظاهرة السلبية وانعكاساتها على سمعة دولة خيّرة في المجمل، تساعد الجميع ويلقب أميرها بأمير الإنسانية، جاءت هذه الصور أيضا تزامناً مع صور لمجموعة من الشباب والشابات على سواحل مدينة الخيران البحرية يرتدون البكيني، ويرقصون على أنغام الموسيقى، فيأتي الغضب الشعبي والبرلماني، ومن ثم التحرك الحكومي على البكينيات والأفخاذ العارية أعلى وأعنف وأعتى من الغضب على معاناة آلاف الفقراء المحجورين في مناطق مشؤومة، محرومين من العمل والرواتب، مسلوبي حرية التنقل والترحال، بلا إمدادات زاد مضمونة ولا خيار للعودة بكرامة للوطن.
مسؤول الداخلية الذي ظهر في الصحف فور تعالي أصوات الشجب والاعتراض، يفزع للغضبة الشعبية على البكيني، ويحرك الدوريات والأفراد لكش المايوهات من الشواطئ وتكميم صوت الموسيقى الذي خدش أسماع وأبصار الكويتيين في الخيران، لم يحرك ساكنا لحل مصيبة طوابير الخُبز في الفروانية وجليب الشيوخ والمهبولة! النواب الذين تعالت تصريحاتهم في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي مستبسلين لتسجيل موقف ضد الأجساد العارية، لم نسمع منهم مقترحا واحدا، التفاتة صغيرة أو فكرة يتيمة للتحسين من الحالة المعيشية والنفسية للبشر المنسيين هناك! اليوم وعلى الرغم من كل تداعيات كورونا المستجد، يعتري العالم حراك صاخب في الضمير الإنساني العام، الكل بات يهب لنجدة المظلوم، حتى أشعلت حالة وفاة واحدة غضبة جماعية اجتاحت ملايين البشر، وانتشرت عدواها بين القارات أسرع من المستجد ذاته! وها نحن، نضم كفوفنا على ضميرنا المتبلد، نغض أبصارنا عن انتحار المقهورين، ونسد آذاننا عن صرخات الغرباء في وطنهم.وفي اليوم الذي يُفتح فيه الآفنيوز أبوابه من جديد، تظهر لنا مقاطع لطوابير بشر غير البشر المذكورين في بداية المقال، يصطفون بهدوء على أبواب رولكس وكارتيير!
مقالات - اضافات
البكيني الذي يُبكيني!
03-07-2020