نقطة: أين أنتم مِن بونايف؟!
رحم الله من قال إن التاريخ يُعيد نفسه مرتين، مرّة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة، وفي قول آخر مسخرة.فقبل 30 عاماً بالتمام والكمال، وفي عزّ التوترات السياسية بين الكويت والعراق، وُجّهت دعوات رسمية لوفد كويتي شعبي متعدد الاتجاهات والأطياف لمقابلة كبار المسؤولين في بغداد، ربما في محاولة لإيصال رسائل من جهة، في مقابل رغبة في ترطيب الأجواء من جهة أخرى، وكان من ضمن أعضاء هذا الوفد السيد فيصل الدويش، وهو رجل عَلَم في غنى عن الإشادة والتعريف، وقد حضر أعضاء الوفد آنذاك عدة اجتماعات وولائم على شرفهم، وفي إحداها تعرّض أحد كبار المسؤولين العراقيين للكويت أمامهم بكلمات من النوع "العميق" الذي يجيده المسؤولون العراقيون في تلك الحقبة المظلمة، ولا أضمن الحاليين، فتصدّى له الرجل فيصل الدويش، وردّ عليه دفاعاً عن بلاده وانسحب فوراً من مجلسهم، غير مبالٍ بما قد يُصيبه من أذى منهم وهو على أرضهم وبين براثنهم، فلا مجاملة على حساب الوطن، فالمهم لديه أن يكون الوطن عزيزاً دائماً، ولم يتردد أبداً في قول كلمة الحق في عقر دار السلطان الجائر، فهو ليس مثل غيره ممّن يرفعها كشعار فقط يُلهب به أفئدة الأغرار والكوادر والمؤلفة عقولهم، ثم تجده في أول لقاء له مع أتفه سلطان جائر يصطف معه ويجاريه، بل ويُزايد عليه في كلامه بحق وطنه وأهله.
الواقعة لم تنته هنا، فبعد أن عاد الدويش إلى أرض الوطن، توجّه بلا توانٍ للقيادة السياسية لإبلاغها بما جرى معه في بغداد، وقدّم لها الرأي والمشورة حين طُلبت منه بهذا الشأن، فكان نعم الرأي الحكيم المعتاد من الرجل الشجاع الذي لم يناور أو يتلوّن حين تعلّق الأمر بالكويت، فما أسهلها عليه لو أنه التزم الصمت في بغداد حين سمعهم يسيئون لوطنه، وعُذره معه، فلا أحد كان يستطيع رفع صوته في عراق صدام حسين، لكنّ الطود فيصل الدويش فعلها.الرجال مواقف، كما نحب أن نردد دائماً حين نتفاخر وننفخ صدورنا أمام مَن لا يعرفنا، وهذه هي المواقف التي يقال عنها إنها تكشف معادن الرجال بحقّ، وهذا ما حدث في النسخة الأولى، ما نراه الآن هو المهزلة، حسب تعبير المرحوم صاحب جملة افتتاح المقال أعلاه، أو المسخرة في ترجمة أخرى.