تبارى كتّاب رواية السينما والمسرح والتلفزيون على تقديم صورة مشوهة للشخصية المصرية، أثرت فيها وأثارت كثيراً من الشعوب على المصريين بسبب هذا الكم الهائل لوسائل الاحتيال والنصب والخيانة والطمع والتحايل من أجل الكسب غير المشروع. صناع هذه الأعمال يقولون إنهم يعكسون حالات من الواقع، ويقصدون توجيه الأنظار إليها كعيوب لمواجهتها وتحاشيها، ولكن المتتبع لهذه الأعمال يجد أنها صيغت بحرفنة وإبداع في الشر لا يمكن أن يصدر عن إنسان مهما كان سوء أخلاقه، فهذه الأفلام والمسلسلات واسعة الانتشار في كل الوطن العربي، ويشاهدها الملايين، وتبين حطة وسفالة بعض الشخصيات الشريرة لكن مثل هذه الشخصيات في الوقت نفسه تتلقى دروسا مجانية في طرق وأساليب التحايل والنصب والتملق والخيانة والاستيلاء على حقوق الآخرين.
وحين أستعرض بعض ما شاهدته منذ أفلام الأبيض والأسود لأفلام فريد شوقي ومحمود المليجي كلها أو حتى أفلام لسيدة الشاشة فاتن حمامة "سيدة القصر" أو فيلم "الليلة الأخيرة" وغيرهما كثير، حتى دراما شهر رمضان الماضي، فإن معظم هذه الأعمال تعطينا شخوصا دهاة وتفكيرهم يبز إبليس نفسه، يحوكون مؤامرات لا يمكن لإنسان أن يتخيل أن إنسانا آخر يمكن أن يلجأ إليها مهما كانت المغريات، وإن المؤلفين والمخرجين يتبارون في إخراج الحبكة وإبراز الشخصية الشريرة بإتقان يصدّقها المشاهدون، وبالتالي يتأثرون بها.لقد تأثر الكثيرون بهذه الشخصيات، وربما اعتقد البعض أن هذه الوسائل هي أفضل الطرق للغنى، وصارت دعوات مثل: الفهلوة، وتفتيح المخ، والحداقة، وكلك مفهومية، وربنا قبل الهدية، وشيلني وشيلك، وغيرها من التعابير، أصبحت مصطلحات ملتصقة بالشخصية المصرية، وتلقى أذنا صاغية واستعداداً للتقمص والمحاكاة، وفي الوقت نفسه تثير المخاوف والشك حين التعامل مع المواطن المصري في بلده أو في البلدان الأخرى، وأصبح اختيار المصري "الحدق" مطلبا لدى المفسدين والفاسدين، فهم يرون في هذه الشخصية معينا لهم في الفذلكة والاحتيال وتجاوز القوانين؛ مما أفسد سمعة المصريين كافة وأساء إلى الأغلبية الطيبة منهم. إن مثل هؤلاء يتوافرون عادة في المدن الكبيرة، فتجد العاملين في هذه المدن يتنافسون على الوظيفة، ويعملون كل ما بوسعهم للحصول عليها، ومن ثم الاحتفاظ بها والترقي في سلمها، وهم في القاهرة أو نيويورك أو لندن وباريس وكثير من عواصم العالم المكتظة بالسكان، يلهثون وراء ضمان دخل ثابت أو متزايد، ويقبلون بما يطلب منهم حتى لو كان خارجا على أصول المهنة. ولكنك لا تجد إلا نادراً هذه الشخصيات المحتالة في الأرياف أو المدن الصغيرة، فما زالت الأخلاق سائدة، ويتعامل بالناس بما يرضي الله، وسمعة الإنسان مهمة جداً، ويحتقر ويعنّف لو زلّ لسانه أو فعله خارج الأصول المرعية، فهناك لن تجد شخصيات الأفلام، وستجد في مصر المصري الفلاح والعامل والموظف الكريم الراقي ذا الأخلاق الرفيعة، وستجد هذه الشخصيات نفسها من الأميركيين والإنكليز والفرنسيين وغيرهم من شعوب العالم خارج المدن.ليت المهتمين بالثقافة في مصر وبقية الدول العربية يهتمون بهذه الناحية، ويعملون على رفع شأن القيم الأخلاقية ونقل الصور الحقيقية للإنسان في بلادهم، فقد تضرر المصريون بفعل قلة ضالة لم تجد من يقول لها هذا عيب، وأساؤوا لعموم المصريين داخل ومصر وخارجها.
مقالات
دور الدراما المصرية في تشويه المجتمع المصري
07-07-2020