إيمانويل ماكرون وإيجابيات هزيمته الأخيرة
خسر حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، في الانتخابات البلدية الأخيرة في فرنسا، لذا من المنطقي أن يظن النقاد اليوم أن ماكرون سيصبح أكثر ضعفاً خلال انتخابات 2022، رغم غياب أي مرشّح يستطيع هزمه على الساحة السياسية راهناً.لكنّ السياسة لا تتبع المنطق دوماً، لا سيما في فرنسا، فلا وجود لخسارة دائمة أو فوز نهائي في الحياة السياسية، حتى أن الفوز الساحق قد ينشئ ظروفاً تُمهّد لهزيمة لاحقة، وفي هذه الحالة قد تؤدي هزيمة ماكرون الكبرى محلياً إلى تحسين فرص إعادة انتخابه بعد سنتين، وقد يكون المحللون محقين حين يقولون إنه يواجه وضعاً صعباً اليوم، لكنّ هذا الوضع ليس جلياً عند النظر إلى ظروف السياسة الفرنسية ككل.ما من مرشّح واضح بمستوى الرئيس الفرنسي، فماذا عن مارين لوبان التي هزمها ماكرون في المرحلة الأخيرة من الانتخابات الماضية؟ تُعتبر هذه المرشّحة عن اليمين القومي الشعبوي حتى الآن منافِسة ماكرون الأوفر حظاً، لكن تثبت هذه النتيجة ضعف التوقعات السياسية التي يطرحها المحللون.
استنزفت لوبان جميع حظوظها حتى في معسكر اليمين المتطرف، وكان أداؤها خلال الحملة الانتخابية في 2017 كارثياً، وخلال مناظرتها التلفزيونية الوحيدة مع ماكرون، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات، خسرت تأييد أقدم مناصريها، أي القاعدة الشعبية التي كانت تدعم والدها جان ماري لوبان، مؤسس حزب "الجبهة الوطنية"، طوال عقود، فبدت لوبان جاهلة بالكامل في الشؤون الاقتصادية، وحتى حزبها الذي يواجه وضعاً صعباً قد يتخلى عنها أو هي تتخلى عنه.على الجانب الآخر من المنافسة، أصبح اليسار الفرنسي المؤلف من الاشتراكيين والشيوعيين في حالة يرثى لها بعدما كان قوياً جداً في السابق، وباستثناء حزب "الخُضر"، بات اليسار الفرنسي يفتقر إلى القيادة وهو يتألف من شخصيات تعيش على أمجاد الماضي وأخرى تطمح إلى تولي المناصب السياسية.لا يطرح حزب "الخضر" خطراً حقيقياً على ماكرون حتى الآن نظراً إلى غياب أي زعيم مؤهّل لتولي الرئاسة، لكن قد يظهر هذا المرشّح خلال المرحلة المقبلة. قد لا يكون الوقت كافياً، لكنّ ماكرون نفسه تفوّق على الجميع بين العامين 2016 و2017.ارتكب ماكرون الأخطاء طبعاً لكنه يبقى زعيماً سياسياً جدياً وشجاعاً على نحو مفاجئ، فقد أقرّ إصلاحات صعبة، على غرار تعديل قواعد حماية العمال وخطط التقاعد، وهي خطوات مثمرة على المدى الطويل، حتى لو كانت شائكة على المدى القصير. هذه التحركات لم تنجح في زيادة شعبية ماكرون، بل إنه واجه معارضة مألوفة من النقابات العمالية وتعامل مع حركة "السترات الصفراء" التي شكّلت ذروة المشاكل المتراكمة منذ سنوات، ثم تأثّر سياسياً في الفترة الأخيرة بسبب انتشار فيروس كورونا أيضاً.كذلك، خسر ماكرون جزءاً من شعبيته بسبب شخصيته المتغطرسة وقلة صبره، لكن مقارنةً بكبار القادة الأوروبيين الآخرين، وحدها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تضعه في موقف صعب، ومن المعروف أصلاً أن الناخبين الفرنسيين لديهم تاريخ حافل من المواقف الحاقدة ضد السياسيين.أخيراً، عجز ماكرون عن التخلص من لقب "رئيس الأغنياء" الذي يلازمه مع أنه ردّ على هذه التهمة بطريقة لامعة فقال: "لا أريد أن أكون رئيس الأغنياء، بل أريد أن أكون رئيس الطامحين ليصبحوا أغنياء"، وبعبارة أخرى، هو يحاول تشجيع رجال الأعمال وقطاع الشركات المبتدئة.باختصار، قد لا تكون هزيمة ماكرون وحزب "الجمهورية إلى الأمام" في الانتخابات المحلية مصيرية، إذ تترافق السياسة دوماً مع مفارقات كبرى وتقلبات متواصلة، والرابح اليوم قد يفيد الخاسر غداً.في حال انتخبت فرنسا رئيساً قوياً من حزب "الخضر"، سيستفيد الجميع من هذا التغيير، لكن ربما تتمثل أفضل نتيجة بفوز ماكرون، الذي يؤيد توجّه حزب "الخضر" رغم عدم انتمائه رسمياً إليه، ونجاحه في ولايته الرئاسية الثانية وتلقيه الإشادة على إنجازاته في نهاية المطاف.* رونالد تيرسكي* «ريل كلير»