مع بداية انتشار وباء «كورونا» في الأسواق المالية، أرسلت الولايات المتحدة رسالة واضحة عبر الحكومة وبنك الاحتياطي الفدرالي، مفادها أنها مستعدة لفعل كل شئ لدعم الأفراد والشركات.

لكن سهام الدعم الرسمي الأميركي ذهبت بعيداً جداً، ووصلت للمتوفين والأجانب وحتى المليارديرات، الذين لا يحتاجون الدعم ولم يطلبوه.

Ad

الوفاة لا تمنع الدعم

«والدتي متوفاة ولا تحتاج الأموال»... عبارة قالتها شيري فيليبس، التي تعيش في ولاية نيويورك الأميركية، بعد تلقيها خطاباً موقعاً من الرئيس دونالد ترامب في أبريل الماضي يشير إلى تحويل مبلغ 1200 دولار لحساب مصرفي مشترك مع والدتها المتوفاة في 2019.

ولم تكن فيليبس المثال الوحيد على إرسال الحكومة الأميركية أموالاً بالخطأ إلى أشخاص متوفين، في إطار برنامج دعم المواطنين لمواجهة تداعيات وباء كورونا.

ويقول مكتب محاسبة الحكومة الأميركية «GAO»، إن إدارة ترامب أرسلت 1.1 مليون كتحويل نقدي بقيمة 1.4 مليار دولار لأشخاص متوفين حتى 31 مايو الماضي، وذلك من إجمالي 269 مليار دولار تم إرسالها.

ومع إقرار الكونغرس الأميركي حزمة تحفيزية تتجاوز 2.6 تريليون دولار، بدأت وزارة الخزانة ووكالة الإيرادات الداخلية (الضرائب) في إرسال مدفوعات مباشرة لكل فرد بقيمة 1200 دولار، بعضها عبر تحويل مباشر للحسابات المصرفية الشخصية.

وتكمن الأزمة في أن وزارة الخزانة لم تراجع كشوف الوفيات الحديثة، وفضلت الاعتماد على إقرارات الضرائب الخاصة بعامي 2018 و2019، وبالتالي فإن كل من تقدم بإقرار ضريبي في هذه الفترة يتم تحويل الأموال له.

وبسبب الرغبة في إرسال المساعدات بشكل سريع، اعتمدت الوكالة على إجراءات تشغيلية ترجع لعام 2008، حينما أرسلت الحكومة مدفوعات مباشرة للمواطنين بعد الأزمة المالية العالمية، وهو ما لم يكن يحتوي على سجلات للوفيات.

ومرت الولايات المتحدة بتجربة مماثلة آنذاك، عندما أرسلت ملايين الدولارات في عام 2009 إلى متوفين، لكنها أعلنت لاحقا استرداد نصف هذه المبالغ.

لكن الحكومة الآن تقف عاجزة عن استرداد هذه المبالغ، لأنها لا يمكنها قانوناً السحب من الحسابات الشخصية للأفراد من أجل استرجاع الأموال.

كما تواجه الإدارة الأميركية معضلة تتمثل في أن تكاليف استرداد الأموال، ربما تتجاوز القيمة الأساسية المرسلة لكل فرد، وبالتالي قد يكون من غير المجدي محاولة استعادتها.

لكن وكالة الإيرادات الداخلية أعلنت أنه يجب على كل من تلقى أموالاً غير مستحقة ضمن البرنامج إعادتها فوراً عن طريق إرسال الشيك لفرع الوكالة في الولاية الخاصة به، لكنها لم تكشف عن أي إجراءات محتملة إذا لم تتلق هذه المبالغ.

ومع المحادثات الجارية حالياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول إمكانية إطلاق حزمة تحفيز جديدة قد تشمل إرسال مدفوعات أخرى للمواطنين، تدرس الوكالة الاعتماد على سجلات المتوفين في برامج الضمان الاجتماعي لتجنب تكرار سيناريو تقديم مساعدات مالية للموتى.

وللأجانب نصيب

لم تقتصر أخطاء تحويلات المساعدات الحكومية على الموتى فحسب، لكنها وصلت للعمال الأجانب الذين يعيش بعضهم خارج الولايات المتحدة.

وفوجئ بعض العمال الأجانب الذين قضوا بعض الوقت في الولايات المتحدة على مدار العامين الماضيين بوجود 1200 دولار في حساباتهم المصرفية.

ويشمل نظام الضرائب الأميركي بعض العمال الأجانب الذين يدرسون في الجامعات ضمن برامج تبادل الطلاب وخلافه، ويعملون أيضاً في وظائف صيفية، وبسب هذا الخطأ المستمر والذي يصعب أحيانا اكتشافه أصبح هؤلاء مؤهلين قانوناً لمدفوعات التحفيز.

وبالفعل تقدم عدد من هؤلاء الطلاب الأجانب بطلبات للجامعات الأميركية، أو وكالة الإيرادات الداخلية لإعادة هذه الأموال إلى الحكومة الأميركية.

ولماذا لا نساعد المليارديرات؟

لكن إذا كان إرسال مدفوعات مالية للمتوفين أو الأجانب خطأ غير مقصود يمكن معالجته، فإن برامج بنك الاحتياطي الفدرالي الرامية لدعم سوق السندات والشركات عبر ضخ السيولة تمثل قضية أخرى.

ويشتري برنامج الطوارئ الخاصة ببنك الاحتياطي الفدرالي سندات كبرى الشركات الأميركية عبر السوقين الأولي والثانوي، في إطار السعي لدعم السوق، وتأكيد توافر السيولة الكافية بتكاليف منخفضة للشركات الراغبة في الاقتراض.

وأعلن الفدرالي شراء سندات لشركات مثل كوكاكولا، ووول مارت، وإكسون موبيل، وبوينغ، وفيليب موريس، وحتى مؤسسات أجنبية تعمل في الولايات المتحدة مثل تويوتا، وفولكس فاغن، ودايملر، وغيرها من المؤسسات الكبرى ضمن سندات نحو 100 شركة.

كما كشف الفدرالي قائمة تضم مئات الشركات المؤهلة لشراء سنداتها من قبل البنك في المستقبل، والتي تشمل مؤسسات كبرى مثل ألفابت وأمازون وآبل ووالت ديزني وغيرها.

ويبرز اسم شركة «هيركشاير هاوثاوي» المملوكة للملياردير وارن بافيت على رأس القائمة، مع حقيقة أن الشركة التي بلغت قيمتها السوقية حوالي 440 مليار دولار بنهاية جلسة الثامن من يوليو الجاري تمتلك سيولة نقدية ضخمة.

ورغم أن ثروة الملياردير الشهير تبلغ 71 مليار دولار، ويحتل المرتبة الرابعة في قائمة أثرياء العالم بحسب تصنيف «فوربس»، فإن سندات شركته دخلت ضمن برنامج الفدرالي الذي يستهدف توفير السيولة للشركات. ودخل الفدرالي في يونيو الماضي لأول مرة في تاريخه سوق سندات الشركات، ليعلن شراء ديون المؤسسات التجارية ذات التصنيف الائتماني الاستثماري أو حتى سندات الخردة.

وقفزت الميزانية العمومية للفدرالي أعلى حاجز 7 تريليونات دولار للمرة الأولى في تاريخه، بفعل عمليات شراء الأصول ضمن برامج التحفيز والدعم الموجهة للأسواق.

ويرى رئيس البنك المركزي الأكبر في العالم جيروم باول، أن دعم البنك لعمل السوق يعد أمراً مهماً، لأنه عندما تعمل الأسواق يمكن للشركات والناس الاقتراض، ومع قدرة المؤسسات على توفير الائتمان فإنها من المرجح ألا تتخذ تدابير لخفض التكاليف.

ورغم الهدف الإيجابي لبرنامج الفدرالي، فإن المخاوف تتزايد بشأن أثاره السلبية على عمل الأسواق وقدرتها على توزيع رأس المال، وفقاً لمعايير السوق الحر، كما أنه يقدم مساعدات للشركات الكبرى التي تقترض بالفعل بفائدة منخفضة وتمتلك سيولة كافية ولا تحتاج لأي مساعدات.

وتظهر درجة توسع المساعدات الحكومية الأميركية مدى الاستماتة لكبح الضرر طويل الآجل على الاقتصاد، حتى لو كان عبر إرسال أموال إلى الموتى والأجانب أو دعم الشركات الضخمة.

(أرقام)