تواجه الكويت تحديات عدة، على أكثر من صعيد، وليس أمامنا إلا قبول التحدي. ويعرف البعض تاريخ الكويت المعاصر بأنه تاريخ الفرص الضائعة، غير أن البكاء على اللبن المسكوب لن يعيد شيئاً منه، ويبدو أن الحكومة اختارت موضوع تعديل التركيبة السكانية محوراً لبرنامج عملها، وهذا ليس بالأمر الهين، لكنها خيراً فعلت، وإذا رأت أنها بحاجة عاجلة إلى دراسة علمية متزنة حول الموضوع فعليها بالدكتور محمد صباح السالم وتذكيره بدراسة معهد الأبحاث ـ «هارفرد» ـ «إم أي تي». وأي تغيير في سياسات التركيبة السكانية ينبغي أن يكون تدريجياً لارتباطه بالسلم الأهلي، فحتى الآن كل شيء مرتبط بوفرة العمالة الأجنبية بدءاً من التشييد والبناء إلى بقية الأنشطة الاقتصادية إلى قطاع السكن الخاص الذي يشغل حوالي 700 ألف فرد، ويتصل بنمط الحياة الاجتماعية.
في نهاية المطاف الكثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية مرتبط بآليات السياسة السكانية، وستتغير ميكانيكية العمل فيها لتعكس الندرة المفترضة لقوة العمل في البلاد، ولتعكس القيمة المضافة الاقتصادية لمساهمته في قوة العمل بالمجتمع، وأي تغيير فيها سيجد صدى في أكثر من مكان، فضلاً عن سنة العصر في التغير التكنولوجي في أداء الأعمال المختلفة.ويبقى الفساد العقبة الكأداءاستقالت الدكتورة بينولبي (بني) كولد بيرغ كبيرة اقتصاديي البنك الدولي قبل انتهاء مدتها، وعادت إلى جامعتها «ييل»... د. كولد بيرغ لها سمعتها ومكانتها الدولية، وقد قررت إجراء بحث عن مآل القروض التي يمنحها البنك الدولي للدول المحتاجة، فكونت فريقاً بحثياً من أستاذين من الدول الإسكندنافية، وأحد العاملين في البنك، وكانت النتيجة أن حوالي 5% إلى 7% من إجمالي مدفوعات البنك للدول النامية من قروض تنتهي في حسابات بالبنوك السويسرية. واعترضت القوى المهيمنة على البنك على إجراء مثل هذه البحوث ونشرها لتأثيرها السلبي على سمعة البنك الدولي، وحاولت هذه القوى الحيلولة دون نشرها، رغم أن هذه الدراسة لم تتعرض لأسماء الدول المشمولة بها ولا لإدارة البنك أو أي من العاملين فيه، ولم تكن عملية البحث تدقيقاً محاسبياً أو تشريحياً فهي مبنية على حسابات رياضية صرفة. أكدت هذه الدراسة الشكوك المتداولة بأن المتنفذين في بعض الدول المقترضة يستولون على جزء من الأموال المقترضة لإثراء أنفسهم، وبعدها بدأت عملية التطفيش فكان أن تركت د. كولد بيرغ البنك الدولي، لكنها أشعلت النار. التستر على الفساد مشاركة فيه وتشجيع له، والناس يبنون مواقفهم على قناعات ذاتية، ومن الطبيعي أن تستغل التنظيمات السياسية هذه الأجواء ببث إشاعات تثير نقمة الجماهير، وفي الغالب تكون هذه أقاويل مفبركة أو مضخمة، لكنها تجد قبولاً وتفاعلاً مع الجمهور.ولبنان من الدول التي يتداول فيها الجمهور المطالبة باسترداد المليارات من الدولارات المنهوبة والمهربة إلى الخارج. تلك المطالب جاءت في الحراك الشعبي الذي شمل لبنان والمطالبة باجتثاث الفساد من خلال المطالبة بالتغيير، وما يعترض عليه الحراك هو بعض ما نتج وصاحب تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار (حوالي 1500 ليرة للدولار) منذ تسعينيات القرن الماضي، مع فروق شاسعة في أسعار الفائدة على الاقتراض على كل منهما (40% لليرة و15% للدولار) وصاحب تلك السياسة تهم متبادلة باستغلالها للإثراء والتنفيع، وكانت هذه من ثمار سياسات تثبيت أسعار الصرف في وقت لا تملك الدولة فيه مصادر مستقرة ووافية لتدفق العملة الأجنبية، ولا تضبط فيه الإنفاق العام بالعملة المحلية. وقد واجهت سياسة تثبيت سعر الصرف مع رفع أسعار الفائدة معارضة من أهل الاختصاص داخل لبنان وخارجه، وعلى أية حال انهارت عملية التثبيت هذه مؤخراً، وقد بلغ الإنفاق على خدمة الدين الخارجي 90 مليار دولار، بما يستهلك حوالي نصف ميزانية الدولة وأصبحت الحكومة غير قادرة على الوفاء بها مؤخراً، و امتنعت عن السداد. كان هذا الوضع كافياً لتوزيع التهم مجاناً من الجميع للجميع بالفساد ونهب المال العام وتهريبه... هذه نتيجة مؤلمة أفقرت أكثر من 40% من الشعب اللبناني، الشعب الذي لا تنقصه الخبرة ولا العلم المصرفي، لكنه الفساد الذي نخر مؤسساته وسياساته.ولعل خير خاتمة لهذا المقال الحديث النبوي الشريف «أيها الناس , إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وأقيم الحد على المخزومية وهي من أشراف مكة. نسال الله السلامة للبنان والخروج بعافية من المتاعب التي يمر بها.
مقالات
خطوة للأمام
10-07-2020