بالعربي المشرمح: الفساد سيد الموقف!
يسألني أحد الأصدقاء: لماذا لا نكتب ككتّاب عن قضايا أخرى غير الفساد الذي أشبعنا مقالاتنا كتابةً عنه، كما كنا نفعل في السابق؟ وهو سؤال يستحق التأمل، لذا ومنذ أن طرح عليّ السؤال وأنا أبحث عن موضوع أكتب مقالي حوله، إلا أنني وكل ما وجدت قضيةً تستحق الإثارة وجدت الفساد سبباً في تدهورها وتراجعها.فحين تريد أن تكتب عن الشأن السياسي ستجد أن العبث الذي نراه في هذا الموضوع سببه الفساد، وحين تبحث عن الشأن الاقتصادي سترى أصابع الفساد قد توغلت في أحشائه، وعندما تأتي إلى الشأن المالي تجد طرقه مملوءة بمستنقعات الفساد، فذهبت لأبحث في الشأن الرياضي فوجدت بصمات الفساد واضحةً في جسده وضوح الشمس في رابعة النهار، فانحرفت للبحث في الشق الإعلامي فوجدته معتما ومظلما بعد أن أطفأ الفساد أنوار قلاعه، فعرجت على الفن لعلّي أجد شيئاً أتحدث عنه، وإذا به الآخر لم يسلم من فيروس الفساد، فجرني التفكير للخدمات والتعليم والصحة ومعاناة المواطنين لعلّي أجد ضالتي، وأحقق ما طلبه مني صديقي، وإذا بالفساد قد سبقني لتلك المرافق، وكأنه لا يريد إلا أن نكتب عنه.
فقلت التركيبة السكانية موضوع قد لا يفكر فيه الفساد، ويمكنني التحدث فيه، وإذا بالبنغالي وتجار الإقامات قد أرسلهم الفساد للعبث بها، وتوقفت عند الحريات ففرحت بأن الفساد لا يمكن له أن يفكر بها لأفاجأ أن التغريدة أصبحت جريمة يعاقب عليها المغرد، وبحثت في الوحدة الوطنية التي لا يمكن أن يتخيل أحد أن للفساد مصلحةً للعبث بها، ولكن حلمي سقط عند عتبات القبلية والطائفية والعنصرية، فعدت أدراجي لأبحث في المؤسسات المدنية والتيارات السياسية فوجدت أن الفيروس قد أصابها وتمكن منها. وأنا في خضم بحثي عن أمر أكتب عنه ليس للفساد دخل فيه تذكرت الدين الذي يأمرنا بالنهي عن المنكر، ولأن الفساد منكر أشِر فحتماً سيكون رجال الدين هم المحاربون للفساد، ويمكنني الكتابة عنهم، فصعقت وصدمت وجننت مما سمعته وقرأته من بعضهم ومن رائحة الفساد التي تفوح من ذقونهم وألسنتهم، ومن خلال الفحص ذهبت لعلاقاتنا الاجتماعية والأسرية التي نعتقد أن مناعتها قوية ومن الصعب أن يخترقها فيروس لعين كالفساد فوجدت العجب العجاب مما فعله هذا القاتل المدمر بها.يعني بالعربي المشرمح:الفساد سيد الموقف، فلو بحثت "زنقه زنقه ودار دار" فإنك لن تجد في وقتنا هذا موضوعاً لتكتب عنه سليماً من فيروس الفساد، ولا يمكنك أن تتطرق لقضية ما ومهما كان موضوعها وأهميتها دون أن يكون للفساد النصيب الأكبر في حديثك عنها، وباعتقادي أن كورونا الذي أرعب العالم ودمر اقتصادات أعتى الدول وأقواها، حتى أنهم لم يجدوا له لقاحاً ومنذ أكثر من نصف عام، كانت اليد الطولى للفساد في تدمير هذه الاقتصادات والتوغل فيها، لذلك يا سيدي لا تطلب مني الحديث عن شيء بعيداً عن الفساد لأنه أصبح جزءا من حياتنا، ورغم توافر لقاح الإصلاح للقضاء عليه فإننا لم نعد نريد الابتعاد عنه أو القضاء عليه فهو جزء لا يتجزأ من ثقافتنا الحديثة.