وجهة نظر: «تويتر» وأشقاؤه برلمان المستقبل
العالم بعد كورونا سيكون مختلفاً، والتخلص من كورونا قبل إيجاد عقار سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وحتى إن وجد العقار فالجزم بنهاية الأوبئة (الكورونية) يبدو مستحيلاً أيضاً، لأنه ومن خلال متتالية الأوبئة المشابهة في السنوات الماضية يتضح أن جودة الحياة أصبحت دون المستوى المقبول، وأننا سنضطر للتعايش مع الأنماط الحياتية الجديدة، فالكمامات والتباعد (والبيتوتية) ستكون من سمات الحياة اليومية.وهو ما سينعكس على الكثير من القضايا الأساسية مثل الديمقراطية والانتخابات ودور البرلمانات في الدول التي تتميز بالتمثيل الشعبي، حيث سيكون من الممكن تنظيم انتخابات نزيهة في الكويت مثلاً، لكن الكثير من العوائق ستكون حاضرة، وأولها التشدد التنظيمي في الإجراءات الصحية الوقائية، وامتناع غالبية كبار السن والمرضى ومجاميع من الأصحاء عن المشاركة في أي انتخابات قريبة، يضاف إلى ذلك أجواء اليأس والسخط الشعبي من الأداء البرلماني بعد تراجع دور المجلس في التشريع والرقابة، وظهور أخبار الفساد في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر كان سيقلل أعداد المشاركين في الانتخابات حتى (بدون) كورونا.
والمشكلة أن كورونا اختصر ما كان سيتدرج خلال سنوات وعجّل به، وبالتالي فإن التغييرات التي بدأت على يد كورونا، والتي لن تتوقف سواء على يده أو على يد الكورونات القادمة ستكون دراماتيكية وسريعة، ورغم أن المتوقع زيادة سيطرة الحكومات، وتراجع الحريات بعد أن ساهم كورونا في نشر ثقافة السيطرة الحكومية والاستسلام الجماهيري باعتبار أنه لا وقت للخلاف أثناء المعركة، لكن غياب الدور المحوري للبرلمانات وتأثير وسائل التواصل وعلى رأسها "تويتر" في القرار الرسمي يقوداننا الى مرحلة متقدمة من ديمقراطية الأمر الواقع التي (لو تكرست) ستلغي دور الوسيط البرلماني بين الحكومة والشعب.ورغم أننا ما زلنا في البداية فإننا لاحظنا أثر "تويتر" (مثلا) في العديد من القضايا الرسمية أكثر من البرلمان ونوابه كالفساد وصفقات الأمر المباشر وبعض القرارات التنظيمية، مع تراجع كبير لدور البرلمان، مما قد يعني أن الشكل الديمقراطي السابق سيصبح ضمن رفاهية الحياة التي لا أتوقع أن يكون لها مكان في الزمن القادم.فالمتوقع أن يضغط العامل الاقتصادي للتخلص من فوائض المؤسسات وتكاليفها البشرية والمالية والعاطفية أيضاً، وسيتراجع دور البرلمان، ويتم تحجيمه كأمر واقع، ويقتصر على التشريع فقط، وسينتقل الدور التأثيري لمصلحة "تويتر" و"فيسبوك" كأمر واقع أيضاً، وهو ما يعني أن السلطة التنفيذية ستكون بحاجة إلى مؤسسة متخصصة في جمع وتحليل توجهات المواطنين ورغباتهم على أيدي موظفين تكنوقراط حقيقيين يكون دورهم تحليليا يحدد الرغبات.فـ"تويتر" وإخوته سيكونون وسيلة ضغط طبيعية تجعل الحكومات تتراجع عن الكثير من التشدد لتخفيف درجات التذمر الشعبي، وهو ما يعني أن دور المغردين سيكون أهم بكثير من دور نواب البرلمان في قادم الزمن، لا سيما أنهم قادرون على التعبير بحرية دون الخضوع للاعتبارات الطائفية أو العنصرية أو أي اعتبار فئوي خاضع لمعادلة التكسب الشعبي، مما سيؤدي إلى تراجع العوامل الفئوية وتراجع الأدوار التقليدية القديمة، واختفاء قاعدة ما يطلبه الناخبون التي أضرت بمصالح البلاد والعباد.