بعد حديثه عن قلعة مشرف، التي تقع على تل مرتفع يبعد 7.5 أميال جنوب شرق مدينة الكويت، يستعرض النقيب هنري داودينغ في تقريره القيم عام 1903 تاريخ الكويت منذ نشأتها، فيورد معلومات كثيرة، بعضها غير صحيح في نظري، وأعتقد أن عدم دقته في بعض الأمور يعود إلى مصادره المعلوماتية، التي في معظمها نقل عن تقارير سابقة أجنبية. يقول في مطلع حديثه عن بداية تأسيس الكويت، إن الأسرة الحاكمة، ومن معها من القبائل والعائلات، سكنت في قلعة صغيرة بالقرب من مدينة الزبير، ثم انتقلت إلى موقع الكويت الحالي في القرن السابع عشر. "إن أسرة أو قبيلة شيخ الكويت الحالي سكنت في الأساس في قلعة صغيرة تسمى أم قصر تقع عند مدخل خور عبدالله بالقرب من بندر الزبير". ولابد أن نتوقف عند هذه المعلومة ونتساءل، هل قلعة أم قصر كانت موجودة في القرن السابع عشر؟ وحسب المعطيات المتوفرة أمامنا، فإن الجواب بالتأكيد لا، لأن هذه القلعة (أو القصر) بناها التاجر محمد بن حسين بن رزق في عهد الشيخ عبدالله بن صباح الأول، كما قال بذلك الشيخ مبارك الصباح في إحدى رسائله للإنكليز. إذن، قد يقصد داودينغ أن أجداد الشيخ مبارك ومن معهم سكنوا في الصبية التي يقع فيها القصر، بعد أن رفضت سلطات البصرة العثمانية السماح لهم بالاستقرار في البصرة، وهذا هو المعلوم والموثق في كتب التاريخ. يعود داودينغ بعد ذلك ليؤكد هذه المعلومة فيقول "في القرن السابع عشر، طردتهم (أي العتوب) سلطات البصرة من معقلهم، فاتجهت القبيلة من أسفل خور بوبيان إلى مياه الخليج، واستقرت في ما يعرف اليوم باسم الكويت". ويفاجئنا النقيب داودينغ بعد ذلك بمعلومة تتعلق بالكوت، الذي سُميت الكويت عليه بالتصغير، فيقول "لقد قام الشيخ ببناء قلعة أو كوت ومن ثم نشأ بعد ذلك اسم الكويت". هذه المعلومة أعتبرها مهمة جداً في تاريخ نشأة الكويت، إذ إنها توضح أن الكوت لم يكن موجوداً قبل قدوم العتوب، بل بناه العتوب أو الصباح بعد استقرارهم في الكويت. ورغم أن ما قاله داودينغ ينقصه الدليل، أو على أقل تقدير إسناد المعلومة إلى مصدر تاريخي موثوق، فإنه ليس لدينا دليل قاطع أيضاً على أن بني خالد، الذين كان نفوذهم يمتد من القطيف والمنطقة الشرقية في السعودية إلى حدود البصرة، هم الذين بنوا الكوت، الذي تأسست الكويت عليه وجاء اسمها منه. وحول هذا الموضوع، تقول الدكتورة ميمونة الصباح في كتابها "الكويت حضارة وتاريخ من 1613-1800" إن الروايات التي ذكرها المؤرخون من أن براك بن عريعر أمير بني خالد أو محمد بن نفلة بن عريعر أسس أحدهما الكوت في نهاية القرن السابع عشر غير دقيقة، وفيها تضارب تاريخي، ثم تؤكد "لكن لدينا من الوثائق والأدلة ما يخالف الرأيين، ويؤكد أن الشيخ صباح الأول هو الذي أنشأ القلعة اعتماداً على أن تاريخ إنشائها ونشأة الكويت سبق تأسيس دولة بني خالد وحكم براك ومحمد الذي يرجعه البعض إلى عام 1669م، والبعض الآخر إلى عام 1671م". نتوقف عند هذا الحد في مقال اليوم، ونكمل قراءتنا في تقرير داودينغ الأسبوع المقبل إن شاء الله.
هذه الصورة وردت في تقرير داودينغ وتحتها التعليق التالي: مبارك الصباح شيخ الكويت وبجانبه أصغر أبنائه ناصر