أن تكون دبلوماسياً... في الكويت
أن تكون دبلوماسياً في دولة الكويت فأنت محظوظ، أما أن تكون سفيراً لبلدك فهذه حظوة مضاعفة وامتياز تستشعره منذ أن تطأ قدماك هذه الأرض الطيبة، ويستقبلك الجميع بالابتسامة التلقائية التي تعلو محياهم، وتلقى القبول الحسن وتحظى بكرم الوفادة.وإن هذا الشعور بالارتياح في بداية رحلتي الدبلوماسية كسفير لتونس لدى الكويت هو سبيل إلى الانطلاق لمعرفة هذا البلد ومكوناته الاجتماعية وعاداته وتقاليده وخصوصياته، فتفتح لك منذ الوهلة الأولى القلوب قبل الأبواب، وتكون محل ترحيب أينما حللت وحيثما نزلت.ولا شك أن الدواوين التي نسمع عنها قبل وصولنا إلى الكويت وتجعلنا متحفزين لزيارتها هي الفضاء الأمثل الذي يعبر تعبيرا حقيقيا عن عراقة المجتمع الكويتي الفخور بأصالته والمعتز بانتمائه والمنفتح على الثقافات والحضارات العالمية الأخرى.
وتمثل الدواوين بأشكالها المختلفة منتديات فكرية وثفافية وأدبية واقتصادية وكذلك سياسية، وهي شبيهة بالغرف البرلمانية المصغرة، يتم فيها التداول في المواضيع المختلفة داخليا وخارجيا، وهي واجهة مشرفة للكويت وعنوان بارز من عناوين خصوصية هذا المجتمع وتفرده.وأعتقد أن هناك جهوداً كويتية تبذل لإدراج الدواوين ضمن التراث اللا مادي العالمي للكويت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونكسو) وجعلها خاصية كويتية في المنطقة والعالم.وأنتهز هذه المناسبة لأوجه تحية شكر وتقدير إلى الإخوة والأصدقاء من أصحاب الدواوين وروادها الذين غمروني بعطفهم ومشاعرهم الطيبة خلال زياراتي المتكررة لدواوينهم، وشكلت الزيارات التي أقوم بها إلى هذه الدواوين والتي كنت أحرص على انتظامها ودوريتها وأوازي فيها بين التزاماتي المهنية وأنشطتي الاجتماعية، مناسبة للتعرف عن كثب عن تاريخ هذا البلد العريق بثراء حضارته وتأصيل هويته، وأدركت حينها مدى تعلق الكويتيين بوطنهم أو "بديرتهم" كما يحلو لهم قول ذلك.وانصرفت بعد ذلك إلى تعميق معرفتي بالحركة الفكرية والأدبية والشعرية بالكويت وروادها وأعلامها ومازلت أحتفظ بعديد المؤلفات التي أثرت مكتبتي الخاصة، وسأتفرغ إلى قراءتها لاستكمال اطلاعي ومعرفتي بهذا البلد الأصيل والعريق.وقد حاولت قدر الإمكان استحضار تاريخ الكويت من خلال الجعرافيا بفضل الزيارات التي قمت بها الى عدد من المعالم والأماكن الأثرية والمتاحف التي مازالت تحتفظ بروح الكويت على غرار سوق المباركية الذي حينما تزوره يشدك عبقه وسحر معماره رغم التحديثات المدخلة عليه. إن هذه التجربة الثرية على المستوى الشخصي توازيها تجربة مهمة على المستوى المهني تلقيت فيها كل الدعم والمساندة من السلطات الكويتية على مدار فترة مهامي بالكويت كسفير لبلدي، وقد نالني شرف اللقاء بالقيادة السياسية الكويتية في عديد من المناسبات، وكنت أستمع فيها إلى الرؤية المتبصرة والحكيمة والسياسة الرشيدة والمتزنة والتوجيهات السديدة للقيادة العليا التي جعلت هذا البلد محل احترام وتقدير المجتمع الدولي.كما حظيت بلقاء معالي رئيس البرلمان وسمو رئيس مجلس الوزراء ومعالي وزير الخارجية وعدد كبير من أعضاء الحكومة والشيوخ وكبار المسؤولين في الدولة بالديوان الأميري وبوزارة الخارجية على وجه الخصوص، وكنت دائما وأبدا ألقى الدعم والتشجيع والمساندة في أداء مهامي. وقد ساهم هذا الدعم في تعزيز روابط الأخوة وعلاقات التعاون الوثيقة القائمة بين تونس والكويت، والتي لا شك أنها ستواصل تطورها في المستقبل بفضل القواعد المتينة التي تم التأسيس عليها طيلة السنوات الماضية بكل عزم وثبات ورؤية متبصرة ومتدرجة لتعزيز صرح هذه العلاقات وجعلها نموذجا للعلاقات بين الدول، ومثل أخذ تونس مكان الكويت في مجلس الأمن كعضو غير دائم في شهر يناير من سنة 2020، والتنسيق والتشاور المستمرين والمتواصلين بين البلدين تتويجا لمسار تطور العلاقات الثنائية.لا يفوتني في هذه الرحلة الدبلوماسية التي شارفت على الانتهاء بعد مضي خمس سنوات كسفير لبلدي من سنة 2015 إلى سنة 2020 وقبلها خمس سنوات من 2008 إلى 2013 كنائب سفير وكقائم بالأعمال بالسفارة أن أتوجه بأصدق عبارات الشكر والتقدير والثناء إلى:- المسؤولين في المؤسسات العربية والإقليمية وأخص بالذكر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وعلى رأسه معالي الوزير عبداللطيف يوسف الحمد.- وسائل الإعلام الكويتية المرئية والمسموعة والمكتوبة وأهنئها بالمناسبة على مهنيتها وموضوعيتها وعلى السقف العالي للحرية التي تتمتع بها.- الجالية التونسية بالكويت التي أظهرت تضامنها وتكافلها وخصوصا في أزمة "كوفيد 19" والتي ساهمت بفضل ما تحلت به من وطنية ومسؤولية في دعم جهود السفارة في هذه الأزمة من خلال مساعداتها المادية واللوجستية.- زملائي في السفارة الذين عملنا جنبا إلى جنب بروح الفريق الواحد، وتمكنا رغم التحديات والصعوبات من بلوغ الأهداف وتحقيق النتائج التي تم رسمها، وعاشت الأخوة التونسية الكويتية.* سفير تونس في الكويت