أكد الروائي عبدالله البصيص أن سبب اختياره لبيئة الصحراء في روايته "طعم الذئب"، هو أن البدوي معروف ببعده عن الثقافات والفلسفة، وتعتبر أفكاره أولية، ومعرفته للحياة والأشياء التي حوله صادرة عن ذاته، لا عن خلفية ثقافية اكتسبها، لافتا إلى أن ذلك سهّل عليه أن يتعاطى مع الأمور بأولوياتها، وأشكالها الأولية بدون أي تعقيدات ثقافية ومرجعيات.جاء ذلك في جلسة حوارية للبصيص مع مجلس "شما محمد للفكر والمعرفة"، على تطبيق "Zoom"، بحضور رئيسة المجلس الشيخة الدكتورة شما بنت محمد، وعدد من العضوات، وتضمنت الجلسة عدة أسئلة من المتابعين تمحورت حول الأسلوب المتبع في كتابة الرواية، وقضايا أخرى تعنى بالسرد.
بداية، تحدث البصيص عن فكرة رواية "طعم الذئب"، وقال إنها تدور حول الحياة، والإنسان، وتأثير مجتمعه عليه، فالمجتمع شارك في تشكيل الشخصية، و"هناك قيود نحن لم نخترها ولكن المجتمع فرضها علينا قسراً، فالإنسان هو الذي يضع قيودا على نفسه"، هكذا يقول الفيلسوف جان جاك روسو، ومن الأقوال الشائعة ضمن هذا الإطار، حديث غابرييل غارسيا ماركيز، "نحن نولد مرة واحدة ثم تتولى الحياة عملية والدتنا"؛ ويوضح البصيص "هذا كان المقصد من كتابة الرواية".
شاعر المليون
وتابع "أنا شاعر وشاركت بشاعر المليون في أبوظبي، واستفدت من ملكة الشعر التي لديّ ووظفتها في الرواية، فالقصائد الموجودة فيها كتبتها لرواية، أما اللغة الشاعرية فجمعت بين الجزالة، وسهولة اللفظ، ورشاقة التعبير". وتحدث عن نهاية الرواية، وبيّن أنها نهاية مفتوحة، وأن كل قارئ سيخرج بنهايته الخاصة، أما عن فكرة المرأة في الرواية سواء أم ذيبان أو غيرها، فقال "فعل الشر يصدر من الرجل لأنه يطلب شيئا ما، والمرأة لا يصدر الشر منها إلا إذا كان دفاعا عن نفسها، فالمرأة لديها عطاء، وأسلوب، ومخاوف، وصفاتها تتماشى مع دورها، وسحرها يكمن في أنها تكون في طبيعتها وتلقائيتها".سلطة قاهرة
وتحدث البصيص عن قضية الإبداع فقال "أنا لا أحب أن اضرب مثلا عن الغرب، لكن أحيانا نضطر إلى ذلك، يكثر الإبداع في الغرب، لأن عاداتهم وسلطة المجتمع على الفرد ليست كبيرة، ولا تشبه السلطة لدينا نحن العرب فهي قاهرة جداً، وهكذا بيئة تكون منفرة وليست جاذبة، لذلك فإن المبدعين في الغرب أكثر من المبدعين العرب، ونحن إذا خرج الفرد عن مسار المجتمع عندنا يتهم، لذلك هي سلطة قاهرة للإبداع". وأشار إلى أن البيئة الخصبة في الإبداع هي أقل ما تكون سلطة المجتمع فيها، لافتا إلى أن المجتمع سلطته جبارة، لدرجة أنها تصل أحيانا إلى وصف الشخص بالعار إذا خرج عن حدود معينة، وتختلف هذه الحدود من مجتمع لآخر. وحول تركيز الرواية على الفترة المسائية وتكرار أحداثها، قال البصيص "نحن العرب أجمل أوقاتنا في فترة الليل، فهو الوقت الذي يفضله الشعراء، وذيبان كشاعر يهوى الليل، ودائما الليل فيه شاعرية".وتطرق إلى قراءاته من الكتب، وقال "قراءة الفلسفة وعلم النفس من الضرورات، لأنه هذا المجال يعطينا فهما للشخصيات، ودوافعها النفسية وأسباب ردود أفعالها".دور النشر
من ناحية أخرى، تحدث البصيص عن الترجمة "للأسف صناعة النشر في الدول العربية متراجعة كثيراً عن الغرب، والكتاب عندما يصدر عندنا لا يستطيع الكاتب أن يقول إنه يريد أن يترجمه، ولكن دار النشر هي التي تعرضه للترجمة أو تستعين بمترجم لترجمته، وللأسف بعض دور النشر العربية ليست مهنية إلا قلة القليل منها، فهي تريد أن تبيع الكتب وتبحث عن الربح، ولا تهتم بوصول أي كتاب إلى الغرب، وأقصد أنها تهتم بخدمة الأدب العربي أو اللغة العربية خلال لغته الأم لا باللغات الأخرى". وأضاف أن رواية "طعم الذئب" ترجمت إلى الصينية عن طريق شركة صينية تواصلت معه، ووافق على الترجمة.ملحمة إنسانية
بدورها، قالت الشيخة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، في كلمة لها عن رواية البصيص "رواية (طعم الذئب) عمل مبدع، جعلنا نعيش أجواء صحراوية، فالصحراء حضور خاص، نستمد منها تاريخنا وقوة جذورنا التي رسخها أجدادنا على مر السنين، والرواية ملحمة إنسانية، ومع صفحاتها الأولى شعرت كأننا أمام مسرح بيئته صحراء حياتنا، تقف عليها جميع الشخصيات الإنسانية بكل إفرازاتها النفسية والحياتية". وأشارت إلى أنه كأن هناك فجوة زمنية صنعتها الرواية، وأدخلتها فيها إلى زمن بعيد من تاريخ صحرائنا الذي مازال باقيا فينا بالكثير من تفاصيله، كم هي حاضرة فينا تلك الصحراء حتى في قسوتها.