بقية «حزب الله»
![د. مازن شندب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1594658445893248800/1594658675000/1280x960.jpg)
يصعب القول إن اثنين في جمهورية الطوائف اللبنانية لا يختلفان حول حصول خدوش وتمزّقات كثيرة أصابت الإطار الذي وضع "حزب الله" نفسه فيه لعقود، فصعب جدا، أمام شرف مصارعة العدو الصهيوني، أن تهتز صورة "المقاومة"، لكنه الاهتزاز الذي حصل والذي شعر به "حزب الله" عامة وأمينه العام نصر الله على وجه الخصوص.وفي هذا الإطار، يجمع فقه القانون الدولي على أن المقاومة مقاومة عندما تكون لمواجهة المحتل على أرض الوطن، فخارج هذا الإطار تسميات أخرى لم يبخل القانون الدولي في تحديدها، لذلك كان "حزب الله" متريثا أشد التريث في الدخول العسكري للميدان السوري، لكنه قبل المغامرة في قدسية المقاومة والتفريط بها عندما اقتحم الشعب السوري بآليات هي نفسها استخدمها في قانا ومارون الراس وقرى شيعية جنوبية، هنا سقطت نصف الهيبة ومعها نصف الشرعية، وفق منطق القانون، ولم يفلح منظرو الحزب القانونيون في تسخير قواعد القانون الدولي لمصلحة الواقع. وبعد المستنقع السوري وجد "حزب الله" نفسه مستميتاً في الدفاع عن نصف كأس المقاومة الممتلئة بعدما فرغ نصفها الأول في الحرب السورية، فجاءت تغطيته لما يعتبره كثيرون من اللبنانيين ومنهم مناصرون للحزب وبيئته، بالعنصرية المقاومة للطائف والمتمثلة بجبران باسيل (وزير الخارجية اللبناني السابق)، لتُهدّد مسار "حزب الله" الوطني بأكمله، فالمقاومة والعنصرية لا يمكن أن تلتقيا، لكنهما التقتا في الواقع اللبناني، فجاء حراك 17 أكتوبر في لبنان ليحمل شعارات تدين "باسيل" ومدلّليه، ليخسر "حزب الله" من جديد من رصيده المقاوم، فالسؤال الذي سكن في ألسن كثيرين فحواه: ما علاقة حماية المقاومة بحماية جبران باسيل؟يدرك "حزب الله" تمام الإدراك أن قوته، أصبحت مقتصرة على سلاحه، بعدما كان لها أكثر من ضلع، وعندما حلّت الأزمة الدولارية في لبنان، اقتنع اللبنانيون، كل اللبنانيين، أن لقمة العيش هي المقدس، فما قيمة "المقاومة" كفكرة، إن كانت على حساب الجوع والعطش؟ لذلك وجدنا كيف أن "حزب الله"، الذي لا يتّقن إلا استخدام السلاح، قد سارع عبر أمينه العام لوضع معادلات بوجه الاتهام الأميركي بالتجويع، فاستخدم لغة المقاومة في غير محلها، وهو العارف أن طمأنينة اللبنانيين لا تحل بالاحتكام إلى السلاح حتى لو كان ضد الوهم.المقاومة قيمة وثروة وحق لا يمكن التفريط فيه، لكنها في لبنان تأخذ اتجاهات أخرى، فطالما أن إسرائيل باقية فيجب أن تبقى المقاومة كفكرة وهنا الأهم، لكن استخدام الفكرة في غير سياقاتها يقتل الحق من أساسه، وهذا ما يعتقد كثيرون في لبنان أن "حزب الله" فرّط فيه، وستكون له تداعياته على كل الطوائف اللبنانية، لأن يوما سيأتي سيكون المقاوم سنياً أو مسيحياً أو درزياً، لكن مسيحياً قد يقول وهو محق بقوله: "لقد كسر حزب الله استباقياً قيمة مقاومتي ومشروعيتها". فهل تأخر "حزب الله" في فهم أن قوة السلاح تأتي من قوة منطق المقاومة لا العكس؟ وإذا كان بالفعل قد تأخر فهل نحن نعيش: بقية "حزب الله"؟* أستاذ في الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، ومدير مركز «الإنسان لبحوث الإرهاب».