خارج السرب: لا تناقش
لا تناقش من كان معياره الوحيد "عنز ولو طارت" فهذا النوع سيعطشك، فهو كالصخرة الصماء في الأرض الجرداء بعيدة جدا عن منابع أنهار المنطق والعقلانية، ولا تناقش من كان مذهبه "كذاب ربيعة خير من صادق مضر"، فهذا النوع لو كان مع فرعون لغرق معه، ولو كان مع النمرود لمد له المنخل ليغطي به شمس إبراهيم. لا تناقش من يشير إلى إصبعك وأنت تشير إلى القمر فهذا النوع أعمى البصيرة قبل أن يكون قصير النظر، ولا تناقش من لا يرى الإنصاف بعين جهينة التي عندها الخبر اليقين، ويسائل ببلاهة كل ركب تفاهة وحماقة، ولا تناقش الذي يتنفس الهراء فيجعل الشتم شهيقا والإفك زفيرا، هذا الهراء الفاسد يزكم أنف كل شيمة ويهيج كل رئة لمروءة. لا تناقش من تقول له كما قال الشاعر:
أَقُولُ لَهُ بَكْراً فَيَسْمَعُ خَالِداً وَيَكْتُبُهُ زَيْداً وَيَقْرَؤُهُ عَمْرَا فهذا النوع من الأسقام العقلية المستعصية لا يوجد لقاح له سوى دواء "سلاما" المتوافر في صيدليات الشرع لمرضى الجهالة. لا تناقش من يضع حصان عقله قبل عربة دليله، ثم يتهمك بأنك تعطل أسفاره ورحلاته العقلية، ولا يدري أنه كالحمار يحمل أسفاراً! ولا تناقش أبا الحصين أو الحصني كما يقال بالعامية الذي تقول: من شاهدك؟ فيقول لك فورا ذنبي، وقد ضل من كانت الأذناب تهديه.لا تناقش إلا عاقلا كحامل المسك يطيّب صوابك أو يعطر خطأك فيزيل عنه رائحة الظن السيئ، ولا تناقش إلا منصفا يقضي بالحق لك أو عليك، ولا تناقش إلا خصماً يليق بك يبحث صادقا عن أجوبة كما تبحث عنها أنت، فمبارزة عقول كهذه تقوي زند حججك، وتقيم أود ظهر منطقك بغض النظر عن الرابح والخاسر منكما.