أعود مرَّة أخرى لمواصلة نشر الصور الخاصة عن لبنان الجميل.

وبشأن صورة اليوم، فقد التقطت بتاريخ 20/ 7/ 1970 في مقهى ومطعم "الأرلكان"، ومكانه يقع وسط الشارع الرئيسي في بحمدون المحطة، جهة وادي لامارتين، وهذا المقهى والمطعم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول يطل على الشارع الرئيسي، والجزء الثاني في الداخل للغداء والعشاء. أما الجزء الثالث، فهو عبارة عن بلكونة كبيرة تطل على وادي لامارتين، ودائماً أفضِّل الجلوس بهذا الجزء الهادئ عندما تهبّ النسمات الباردة، فتضفي على النفس الراحة والانتعاش.

Ad

وفي ذلك المساء كان لي لقاء مع أخي وصديقي عبدالعزيز عبدالله بودي، كما يبدو ماسكاً بيده عقداً من زهور الفل. ومع الأسف، وقت التقاط الصورة كان في المساء، لذا لم يظهر وادي لامارتين الرائع لحلول الظلام.

على كل حال سأحدثكم عن هذا الوادي الشهير، الذي أخذ اسمه من الشاعر والأديب الفرنسي الكبير ألفونس دا لامارتين، الذي وُلد في فرنسا عام 1970، ورحل إلى الشرق عام 1832 سفيراً مبعوثاً لفرنسا في لبنان، وقال عند وصوله: لو قدِّر لي لأمضيت العُمر كلّه في لبنان. وحصل له ما أراد وما تمنَّى عندما ألَّف كتاباً عن حياة رسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وتعرَّض بسبب هذا الكتاب للعداء من مثقفي الغرب، ومن حكومته، لما تضمَّنه الكتاب من آراء مدافعة عن الإسلام، فلم يُعِر النقاد أي اهتمام، ولكي تعاقبه دولته، نزعت منه اللقب الدبلوماسي، وعزلته عن وظيفته، ولم يبالِ، وعاش بقية عمره في لبنان، يمضي وقته في رسم اللوحات الجميلة لوادي لامارتين، ويكتب أشعاره وخواطره عن هذا الوادي الخلّاب، وأنواع ما احتوى من أشجار وزهور بريَّة، وعن الحياة في القرى المتناثرة بداخله، ويستكمل بقية مؤلفاته الأخرى.

وبعد سنوات طويلة أمضاها في لبنان يرحل عن الحياة عام 1869، ولم ينسَهُ لبنان، وكرَّمه بتسمية هذا الوادي الكبير باسمه، وهو يعتبر من أكبر الأودية في لبنان، ولو عرفنا أن كل البلدات التالية تطل عليه، وهي بحمدون وصوفر والشبانية وحمانا وفالوغا وقرنايل ورأس المتن وغيرها، لتخيلنا مساحته!

بعد مرور الزمن، تنبَّهت فرنسا لأهمية هذا الشاعر والأديب الكبير، وأدركت الخطأ، وكرَّمته في أكثر من مناسبة، لرد الاعتبار إليه، وأطلقت عليه لقب "أمير الشعراء الفرنسيين"، وهو نفس اللقب الذي حصل عليه الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي.

ولا ننسى أن الكويت دائماً سبَّاقة لمثل هذه الأعمال والمناسبات، فقد نظّمت مؤسسة عبدالعزيز البابطين عام 2006 دورة كبيرة للشعر في فرنسا، وأطلق عليها اسم "دورة لامارتين وشوقي للشعر"، وفاء لهذا الشاعر والأديب.

وإلى الملتقى في حلقات أخرى عن بلد الذكريات لبنان.