«الخط الأزرق»... الحدود وتحدّي المتسللين من لبنان
وفقاً لمصادر لبنانية دفعت المحنة الاقتصادية بعض العاملين السودانيين في لبنان إلى تجربة حظّهم في إسرائيل، حيث تقوم عناصر من عالم الأعمال أو الإجرام بقيادتهم إلى جنوب لبنان، وأخذهم على مقربة من "الخط الأزرق"، وتوجيههم لعبور الحاجز الحدودي لدخول إسرائيل.
برز تحدٍ أمني جديد من لبنان تمثل بمحاولة سودانيين عبور "الخط الأزرق" إلى داخل الأراضي الإسرائيلية بحثاً عن العمل، ففي مايو 2020 منع "جيش الدفاع الإسرائيلي" وقوع ثلاثة حوادث تسلّل لعشرة أشخاص، ثم في منتصف يونيو أُلقي القبض على متسلّلٍ على مشارف بلدة شلومي، شمال إسرائيل، كما تم الإبلاغ عن أربع حالات على الأقل تم فيها القبض على ما يقرب من عشرين متسللاً محتملاً من "الجيش اللبناني"، بعضهم بمساعدة قوات "اليونيفيل"، بالإضافة إلى سوداني عُثر عليه مقتولاً بطلق ناري في عمق الأراضي اللبنانية، وهناك أيضاً عدد متزايد من التقارير عن عمليات عسكرية أو تدريبات متزايدة يقوم بها "الجيش الإسرائيلي" على طول الحدود الشمالية، شملت إطلاق القذائف المضيئة، واستخدام القوات البرية والطائرات، وفي منتصف مايو، أصيب سوريٌّ اجتاز الحدود إلى إسرائيل بطلق ناري في منطقة جبل دوف (مزارع شبعا).وفي حين أسهب أحد مسؤولي البلديات في الكلام عن خطورة الوضع، قارن مسؤولون منتخَبون آخرون محاولات التسلل من لبنان بعمليات التسلل السابقة على طول الحدود المصرية، في محاولة لاستغلال هذه التطورات من الناحية السياسية من خلال إعادة إحياء مسألة العمّال المهاجرين في إسرائيل واللجوء إلى النظام القضائي، إلّا أن الأشخاص الباحثين عن عمل ليسوا إرهابيين، وبضعة متسللين لا يشكلون موجة، و"الخط الأزرق" الفاصل بين لبنان وإسرائيل ليس خط السلام الحدودي في سيناء، ويجب أن يكون الرد الضروري على جانبي الحدود محترفاً، بناءً على الخصائص الفريدة للتحدي القائم في الوقت الحالي.وأدّت الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان إلى انخفاض سريع في قيمة الليرة اللبنانية، ونقصٍ في الدولار، وارتفاع نسبة البطالة، ويشمل العاطلون عن العمل العديد من العمّال الأجانب الذين يناهز عددهم ربع مليون عامل في البلاد، من بينهم بضعة آلاف من السودانيين، الذين دفعت المحنة الاقتصادية بعضاً منهم إلى تجربة حظّهم في إسرائيل، ووفقاً لمصادر لبنانية، تقوم عناصر من عالم الأعمال أو الإجرام بقيادتهم إلى جنوب لبنان، وأخذهم على مقربة من "الخط الأزرق"، وتوجيههم لعبور الحاجز الحدودي لدخول إسرائيل، وباستثناء المتسلل الذي ألقي القبض عليه في شلومي وأعيد إلى لبنان، انتهت جميع المحاولات الأخيرة بمنع المتسللين من دخول إسرائيل، ولكن في أواخر يناير، ألقى "الجيش الإسرائيلي" القبض على أحد المتسللين، الذي اجتاز الحدود قادماً من لبنان، وأحاله إلى الشرطة الإسرائيلية، ثم أُفرج عنه لاحقاً في إسرائيل، ومن المحتمل أن قصة نجاحه قد انتشرت منذ ذلك الحين بين رفاقه العاطلين عن العمل في بيروت، فشجّعتهم على أن يحذوا حذوَه.
وأفادت وسائل الإعلام المقرّبة من «حزب الله»، من بينها صحيفة "الأخبار" اليومية وقناة "المنار" التلفزيونية، عن عمليات التسلل، من ناحية نجاح المتسللين في اختراق الحاجز الدفاعي الذي نَصبه "الجيش الإسرائيلي" قبالة لبنان، بل أكثر من ذلك، دور هذه الأحداث في إضعاف ثقة الإسرائيليين في الشمال في الحماية التي يوفرها لهم "الجيش الإسرائيلي". وقد استمدّ مناصرو «حزب الله» حماسة كبيرة من القصص المحمومة التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الذعر الذي انتشر بين السكان المحليين، وأبرزها التأنيب الشعبوي وغير المسؤول من قبل رؤساء المجالس المحلية (على غرار: لقد فشل مفهوم الأمن لـلقيادة الشمالية على الحدود بالقرب من شلومي)، والذي يمكن أن يعزز الانطباع الخاطئ لدى «حزب الله» عن إسرائيل كدولة شبيهة بـ"شبكة العنكبوت" وذات مرونة ضعيفة.فمن الناحية العسكرية فإن احتمال وقوع هجوم مفاجئ كبير على إسرائيل من قبل «حزب الله» دون أي إنذار مبكر ليس كبيراً، وبخلاف الأشخاص التائقين لإيجاد فرصة عمل لاعتبارات شخصية أو وظيفية، تعتمد عمليات «حزب الله» على منطق عسكري واستراتيجي، وتأخذ في الاعتبار الرد الكبير من الجيش الإسرائيلي على أي عدوان مماثل، ففي منتصف أبريل، على سبيل المثال، أظهر «حزب الله» قدرته العملياتية على قطع السياج الحدودي، ولكنه أظهر في الوقت نفسه القيود الاستراتيجية التي فرضها على نفسه، وتجنَّب اختراق الأراضي الإسرائيلية من خلال الخروقات التي أحدثها.لكن لا يجدر بأحدٍ أن يصرف النظر عن التوقعات المبرَّرة لسكان شمال إسرائيل بالحصول على الأمن والشعور بالأمن، أو إعفاء "الجيش الإسرائيلي" من مسؤوليته في حماية سكان إسرائيل وحدودها وسيادتها بشكل فعال، وكما هي الحال مع حدود سيناء، يتطلب الرد على التحدي الجديد مزيجاً من الإجراءات المستقلة داخل الأراضي الإسرائيلية وجهوداً على الجانب الآخر من الحدود، وبخلاف مصر، التي تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل، يُعتبر لبنان دولة معادية تنشط فيها قوات الشرطة والقوات العسكرية النظامية إلى جانب قوات حفظ السلام "اليونيفيل" وأهم قوة عسكرية في البلاد، أي عناصر «حزب الله»، الذي تشكل عملياته على طول "الخط الأزرق" التحدي الأمني الرئيس للقيادة الشمالية" للجيش الإسرائيلي.وسيبقى الرد على تحدي المتسللين معتمداً على البنية التحتية للحاجز الحدودي والعمليات الأمنية الراهنة للقيادة الشمالية، مدعوماً بجهود استخباراتية كبيرة، ووفقاً لبعض التقارير سبق أن أوقف الجيش اللبناني المتسللين قبل وصولهم إلى "الخط الأزرق"، وربما حتى منع وصول عدد أكبر من ذلك الذي أوقفه "الجيش الإسرائيلي"، وأحياناً بمساعدة "اليونيفيل"، ويمكن لقوى الأمن اللبنانية، المكلفة بحماية أمن الحدود اللبنانية وممارسة سيادة لبنان، أن تمنع بسهولة المتسللين من التوغل عميقاً داخل الأراضي اللبنانية، بعيداً عن "الخط الأزرق"، وبالتأكيد أقرب إليه، ويمكن القيام بذلك من خلال اتخاذ إجراءات وقائية في بيروت، واعتراض طريق السائقين الذين يقودون المتسللين إلى جنوب لبنان، وإيقاف المتسللين على الطريق عند نقاط التفتيش القائمة على جسور نهر الليطاني، والطرق المؤدية إلى جنوب لبنان، وعلى طريق جنوب لبنان نفسه. ومن المرجح أنه ليس لدى الحكومة اللبنانية مصلحة في استمرار هذه الظاهرة، لأنها مثال واضح على انتهاك سيادتها، مما يدل على افتقارها إلى السيطرة على ما يحدث على أراضيها وعلى حدودها، وتحديداً في ظل الأزمة الاقتصادية السياسية الخطيرة في لبنان، يمكن تعزيز دوافع الحكومة لوقف هذه الظاهرة بتشجيع من المجتمع الدولي، وخصوصا من خلال الدول التي تقدم المساعدة للبنان وجيشه، وحتى من خلال ربط إنهاء عمليات التسلل مع عناصر المساعدات المالية والعسكرية.يعتقد البعض أن إحراج إسرائيل والتوتر بين "الجيش الإسرائيلي" وسكان شمال إسرائيل، وتشتت "القيادة العسكرية الشمالية" وعملياتها المتزايدة، هي عوامل مفيدة لحزب الله، وبالتالي ستدعم استمرار الحزب بأعمال التسلل، وقد يكون «حزب الله» متورطاً بالفعل فيها، لأنه يحكم سيطرته على المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقد لا يتمكن المتسللون من عبور تلك المنطقة دون موافقة الحزب، ومع ذلك فإن وجود سودانيين غير خاضعين للرقابة في مناطق عمليات «حزب الله» على طول "الخط الأزرق" يكشف عن هفوة أمنية لدى «حزب الله» نفسه، لا سيما أنه من المتوقع أن يخضع هؤلاء السودانيون لاستجواب إسرائيلي بعد عبورهم الحدود، بالإضافة إلى ذلك يساهم التحدي المتمثل بعمليات التسلل في رفع الجهوزية العملياتية لـلجيش الإسرائيلي، ويساعد في كشف الثغرات ونقاط الضعف في دفاعاته، وكما كانت عليه الحال بالنسبة إلى الحدود مع مصر، من المتوقع أن تؤدي مشكلة التسلل إلى تعزيز قوة "الجيش الإسرائيلي" إلى حدٍّ كبير في هذا المجال، ولا يخفى أن كلا جانبَي الحدود يشهد اشتداداً في التوتر العملياتي الذي أصبح ينعكس في ازدياد حركة الطائرات والقوات والنيران المضيئة. وفي مثل هذه الليالي، يختلّ الهدوء في الأحياء الشمالية، شأنه شأن القرى الشيعية الواقعة في جنوب لبنان التي تشكل قاعدة الدعم الأساسية لـحزب الله، وفي الوقت نفسه تزداد احتمالات نشوب معارك على طول الحدود، من بينها ضد مقاتلي «حزب الله» الذين ينشطون في المنطقة، وفي مقدّمتهم وحدات "الرضوان"، وفي الوقت نفسه تزداد أيضاً مخاطر التصعيد غير المقصود، في حين أعلنت قيادة «حزب الله» أنّ الحزب ليس له مصلحة بذلك.إن منع التصعيد هو مصلحة مشتركة بين "الجيش الإسرائيلي" وحزب الله والجيش اللبناني و"اليونيفيل"، ويمكن حشدهم جميعاً للتحرك بهذا الشأن، وذلك قبل شهرين فقط من تجديد مهمة "اليونيفيل" من قبل مجلس الأمن الدولي، وبالنسبة إلى جميع هذه الأطراف، ينطوي ذلك على جهد محدود وقليل المخاطر، مما يوحي بوجود إمكانية حلّ المشكلة، وفي المقابل، ثمة ردّ محتمل آخر من خلال حكومة جنوب السودان، سواء بالتأثير على مواطنيها في لبنان أو باستقبال الراغبين في ترحيلهم من لبنان.وفي الختام، يكمن مفتاح التعامل مع مشكلة المتسللين في تحليل واقعي لطبيعة التحدي الفعلي، فما يحدث ليس اجتياحاً من قبل عشرات آلاف المتسللين من لبنان، أو اختراق الإرهابيين لإسرائيل، إنه بالتأكيد ليس إحدى الخطط الهجومية لحزب الله في زمن الحرب، وإلى جانب الرد العملياتي الذي يقع على عاتق "الجيش الإسرائيلي"، تتحمل القيادة المدنية الإسرائيلية أيضاً مسؤولية صمود السكان وإحساسهم بالأمن، فخطابات القيادة لها تأثير على شعبها وعلى العدو ككل، في السراء والضراء، وبالإضافة إلى الرد من جنوب "الخط الأزرق"، هناك احتمال لإيقاف المتسللين شمال هذا الخط من قبل لبنان، و"اليونيفيل"، وحتى حزب الله، من خلال جمع الجهود السياسية بالأدوات الاقتصادية.* أساف أوريون
إيقاف المتسللين شمال الخط الأزرق من قبل لبنان و"اليونيفيل" وحتى حزب الله أمر ممكن من خلال جمع الجهود السياسية بالأدوات الاقتصادية
منع التصعيد مصلحة مشتركة بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» والجيش اللبناني
الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان أدّت إلى انخفاض سريع في قيمة الليرة ونقصٍ الدولار وزيادة البطالة
منع التصعيد مصلحة مشتركة بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» والجيش اللبناني
الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان أدّت إلى انخفاض سريع في قيمة الليرة ونقصٍ الدولار وزيادة البطالة