بعد يوم من الهدوء الحذر بين الجانبين، ورغم إعلان وزارتي الخارجية في أرمينيا وأذربيجان استعداد الدولتين لبدء مفاوضات حول إقليم ناغورني قره باخ، استؤنفت أمس، المواجهات على الحدود الشمالية بين البلدين المتناحرين، مما بدد آمال التهدئة في أزمة أثارت مخاوف من اندلاع حرب شاملة، خصوصاً مع تهديد أنقرة بالرد على أرمينيا «بعد هجومها على أذربيجان الصديقة والشقيقة».وقتل 16 شخصاً بين الأحد والثلاثاء في معارك على الحدود بين البلدين السوفياتيين السابقين اللذين يخوضان نزاعاً منذ عقود للسيطرة على منطقة قره باخ الانفصالية بجنوب غربي أذربيجان.
وسيطر انفصاليون أرمنيون على المنطقة خلال حرب في التسعينيات أدت إلى مقتل 30 ألف شخص، لكن المواجهات الأخيرة جرت في منطقة بعيدة عن هذا الإقليم، على الحدود الشمالية بين البلدين.ومنذ 1992، تسيطر أرمينيا على قره باخ الذي يتكون من 5 محافظات، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي آغدام، وفضولي، بإجمالي نحو 20 في المئة من الأراضي الأذرية.وقالت الوزارتان في بيانين منفصلين، إن معارك جرت على الحدود الشمالية بين البلدين. وأكدت كل من باكو ويريفان أنها تصدت لهجوم شنه الطرف الآخر.وكانت المعارك توقفت بين منتصف ليل الأربعاء وصباح أمس بعد مواجهات دامت ثلاثة أيام.
يريفان
وأفادت الناطقة الصحافية باسم وزارة الدفاع الأرمنية سوشان ستيبانيان أمس، بأن القوات الأذربيجانية «قصفت القرى الأرمنية بقذائف الهاون ومدافع الهاوتزر». وأضافت أنّ القوات الأرمنية ردت «ودمّرت مواقع مدفعية ودبابات العدو التي يستخدمها لقصف قرى أرمنية».وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأرمنية أرتسرون هوفهانيسيان أن الوضع على الحدود «هدأ» منذ ذلك الحين.من ناحيته، قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في اجتماع لمجلس الوزراء «نحن نسيطر على الوضع»، وأضاف: «سقط قتلى وجرحى بين قوات العدو ولكن لم تقع خسائر بين جنودنا أو المدنيين».باكو
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن وحدة من «القوات المسلحة الأرمنية حاولت مجدداً مهاجمة مواقعنا في منطقة توفوز على الحدود». وأضافت أن قرى اغدام ودونار غوشتشو وفاخليدي «تعرضت لنيران أسلحة ثقيلة وقذائف الهاون».في غضون ذلك، أقال رئيس أذربيجان إلهام علييف، أمس، وزير الخارجية إلمار ممادياروف الذي كان يتولى منصبه منذ عام 2004، وتعيين جيحون بيراموف الذي كان يشغل حتى اليوم منصب وزير التعليم خلفاً له.وجاء هذا القرار عقب تعرض ممادياروف لانتقادات شديدة اللهجة من قبل علييف لكيفية أدائه مهامه مع بدء التصعيد مع أرمينيا.وقال الرئيس أثناء اجتماع حكومي عقده أمس الأول، إن وزير الخارجية، خلافاً عن باقي المسؤولين الكبار، غاب عن مكان عمله عقب الحادثة التي وقعت عند الحدود مع أرمينيا في 12 يوليو.إردوغان
وبينما تتنافس أنقرة مع موسكو على بسط النفوذ في المنطقة الاستراتيجية، أعربت تركيا، حليفة أذربيجان، عن دعمها لباكو.وفي هذا السياق، وبعد أن دان هجوم أرمينيا ضد أذربيجان «الصديقة والشقيقة»، قال الرئيس التركي رجب إردوغان، أمس الأول، مهدداً، أن «تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان». وأشار إلى أن «هجمات أرمينيا تتجاوز الحدود بهدف إطالة أزمة إقليم قره باخ الأذري وخلق منطقة صراع جديدة».وأعرب الرئيس التركي عن قلقه «من تحول التوتر المستمر إلى صراع بفعل هجمات أرمينيا الممنهجة والمتهورة».وأكد أن «من واجب تركيا بذل أقصى جهودها عبر علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاجتماعية في المنطقة والعالم، لدعم أذربيجان التي تربطها مع تركيا علاقات أخوة وصداقة قديمة».ودعا الرئيس التركي «دول المنطقة لإظهار موقف صادق ومبدئي ضد عدوانية أرمينيا وسلوكها الذي يثير عدم الاستقرار في المنطقة منذ احتلالها للأراضي الأذرية التي تضم إقليم قره باخ».من ناحيته، توعّد وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، أثناء استقباله قائد القوات الجوية الأذرية رامز طاهروف، أمس، أرمينيا «ستغرق في مكائدها وستدفع ثمن فعلتها».موسكو
وفي موسكو، قال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، أمس، إن روسيا «ستبذل كل ما في وسعها وتظهر أفضل صفات الدبلوماسية، وستستخدم الدبلوماسية الشعبية من أجل ليس فقط حل النزاع الحدودي الحالي بين البلدين، بل وكي تتحسن العلاقات بين هاتين الدولتين القريبتين من بلادنا أرمينيا وأذربيجان».وشدد على أن، «روسيا تملك فعلاً مثل هذه الإمكانات، وقد استخدمناها أكثر من مرة بما في ذلك خلال اندلاع الأعمال العدائية الأخيرة حول قره باخ عام 2017. وأنا متأكد من أنه سيتم استخدام جميع قدراتنا».ورغم أن الوساطة دولية بدأت قبل نحو 30 عاماً، فإن البلدين لم يتمكنا من التوصل إلى حل للنزاع حول ناغورني قره باخ الذي تهدد باكو باستمرار باستعادة السيطرة عليه بالقوة.وأي حرب بين البلدين يمكن أن تغرق كل منطقة القوقاز وتقحم روسيا، الحليفة العسكرية لأرمينيا، وتركيا الداعمة لباكو واللتين تتنافسان على النفوذ الجيوسياسي في هذه المنطقة الاستراتيجية.وقال المحلل السياسي الأذربيجاني إلهان شاهين أوغلو، إن احتمالات اندلاع حرب شاملة «مرتفعة جداً». وتابع :»لقد قتل جنرال أذربيجاني وباكو ستنتقم»، مضيفاً «هناك مطالبة شعبية عارمة في أذربيجان بنقل العمليات العسكرية إلى قره باخ».لكن المحلل الأرمني هاغوب باداليان استبعد اندلاع حرب شاملة. وقال إن «باكو ويريفان كما القوتين الجيوسياسيتين في المنطقة روسيا وتركيا لا تريدان حرباً كبرى تعلمان أنها ستؤدي إلى تداعيات كارثية»، مضيفاً أن أياً من الأطراف لا يمتلك أفضلية واضحة للفوز في نزاع طويل الأمد.وأضاف باداليان، أن أذربيجان كانت قبل أربع سنوات متفوقة عسكرياً على جارتها، لكن أرمينيا مذّاك «استعادت التوازن» بشرائها أسلحة روسية متطورة.وتجري «مجموعة مينسك» التي تضم دبلوماسيين من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة وساطة في محادثات حول النزاع بشأن قره باخ. لكن المحادثات تراوح مكانها منذ التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في عام 1994.وموسكو متحالفة عسكرياً مع أرمينيا حيث لديها قاعدة عسكرية، لكنّها تزوّد كلا من يريفان وباكو بأسلحة بمليارات الدولارات.وتهدد أذربيجان الغنية بموارد الطاقة والتي يتخطى إنفاقها العسكري موازنة أرمينيا برمتها، باستمرار باستعادة السيطرة على المنطقة بالقوة، فيما تعهدت يريفان بسحق أي هجوم عسكري لاستعادتها.بدء المفاوضات
وتزامنت الأعمال العسكرية مع إعلان وزارتي الخارجية في أرمينيا وأذربيجان، استعداد الدولتين لبدء مفاوضات حول قره باخ.وجاء في بيان صدر عن الرؤساء المناوبين لـ»مجموعة مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أن «الرؤساء المناوبين لمجموعة مينسك، يرحبون بتأكيد وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان، على عقد مفاوضات مفصلة بشأن أهم جوانب تسوية مشكلة قره باخ، في أقرب وقت ممكن».