مجموعة العشرين وضرورة العمل على شفاء ذاتها

نشر في 19-07-2020
آخر تحديث 19-07-2020 | 00:00
لا شك أن وزراء مالية مجموعة العشرين سيتحدثون عن المال كالميزانيات، والتحفيز، والسياسة النقدية، وهذا أمر واجب، ولكن بعد أن يتحدثوا عن وقف انتشار الفيروس ذاته، فلا سبيل لإنقاذ الاقتصاد دون وقف الجائحة، ومن المؤكد أن ضمان تدابير الصحة العامة الفعّـالة هو السياسة الاقتصادية الأساسية اليوم.
 بروجيكت سنديكيت يلتقي وزراء مالية مجموعة العشرين هذا الأسبوع تحت رعاية المملكة العربية السعودية، التي تتولى رئاسة المجموعة هذا العام، ولكن من الصعب أن نتخيل دول مجموعة العشرين تقود العالم، كما تحب التظاهر بأنها تفعل ذلك، الواقع أن أغلب دول المجموعة لا تستطيع قيادة ذاتها بشكل فعّـال عبر أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) الحالية.

باعتبارها الاقتصادات الأكبر على مستوى العالم، تتحمل بلدان مجموعة العشرين مسؤولية أساسية في اجتماعها القادم: الاتفاق على التدابير اللازمة لوقف الجائحة، فقد كان أداء قِلة من بلدان مجموعة العشرين جيدا؛ ويتعين على البلدان المتأخرة أن تتخذ تدابير عاجلة لوقف انتشار الفيروس، وتحتاج كل بلدان مجموعة العشرين إلى التعاون حول سياسات على نطاق عالمي للتغلب على الأزمة الصحية.

إن نظرة عامة على بلدان مجموعة العشرين كفيلة بتنبيهنا إلى الحقائق، فالحكم في العديد من هذه البلدان رديء إلى الحد الذي جعلها غير فعّالة على الإطلاق في احتواء الجائحة، بالحكم من خلال البيانات من الأسبوعين الأخيرين، يتضح أن البرازيل، التي يقودها الرئيس الشعبوي المتهور جايير بولسونارو، الذي التقط عدوى الفيروس شخصيا الآن، كنت صاحبة أكبر فشل، حيث بلغ معدل الإصابات الجديدة اليومية 176 حالة لكل مليون من السكان، أما الدولة صاحبة ثاني أكبر فشل فكانت الولايات المتحدة التي يقودها بولسونارو الشمال دونالد ترامب، حيث بلغ معدل الإصابات الجديدة اليومية 137 حالة لكل مليون من السكان، وكانت الدولتان الأخريان في مجموعة العشرين التي سجلت معدل إصابات يومي يتجاوز 100 حالة جديدة لكل مليون من السكان جنوب إفريقيا (129) والمملكة العربية السعودية (112).

يشمل المستوى التالي من البلدان التي تسجل من 10 حالات إلى 100 حالة جديدة يوميا لكل مليون من السكان روسيا (47)، والمكسيك (43)، وتركيا (16)، والهند (15)، والمملكة المتحدة (11)، وكل هذه البلدان معرضة لخطر ارتفاع كبير في انتقال العدوى، حيث تبدو المكسيك والهند الأكثر عرضة للخطر.

تسجل ست من دول مجموعة العشرين حاليا من حالة واحدة إلى عشر حالات جديدة يوميا لكل مليون من السكان، وهي معدلات منخفضة إلى حد معقول يجعل من الممكن قمع الفيروس بشكل حاسم في المستقبل القريب: كندا (8)، وفرنسا (8)، وألمانيا (5)، وإندونيسيا (5)، وإيطاليا (4)، وأستراليا (3).

سجلت ثلاث دول فقط في مجموعة العشرين معدل إصابات أقل من حالة جديدة واحدة كل يوم لكل مليون من السكان: كوريا الجنوبية (0.96)، واليابان (0.9)، والصين (0.01)، والواقع أن هذه الدول الثلاث في شمال شرق آسيا عرضت التركيبة الضرورية من القيادة السياسية، واحترافية أنظمة الصحة العامة، والسلوك المسؤول (ارتداء أقنعة الوجه، والحفاظ على التباعد الاجتماعي، وتعزيز النظافة الشخصية).

تُـعَـد الجائحة ظاهرة اجتماعية، وهي تحتاج إلى استجابة اجتماعية، وكما أظهرت كوريا الجنوبية، واليابان، والصين، فإن القضاء على الفيروس أمر ممكن- أي أن الحالات الجديدة يمكن خفضها إلى ما يقرب من الصِـفر- شريطة اتباع منطق أساسي، ويتعين على المصابين بالفيروس حماية غير المصابين، ويمكنهم القيام بذلك بأربع طرق خلال الأسبوعين اللذين قد يتم نقل العدوى خلالهما إلى آخرين: الحفاظ على البعد المادي؛ وارتداء أقنعة الوجه؛ والبقاء في البيت بعيدا عن الآخرين؛ والبقاء في الحجر الصحي العام إذا لم يكن المنزل آمنا.

ليس بالضرورة أن تكون الحماية مثالية؛ الواقع أن هذا غير وارد، ولكن يجب أن تكون جيدة بالقدر الكافي لضمان أن الفرد المصاب بالعدوى لا ينقل العدوى لأكثر من شخص واحد آخر، ويتعين على كل الناس أن يتوخوا الحذر إلى أن يتم إخماد الجائحة ووقفها، وهذا يعني ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة، والحفاظ على مسافة مناسبة من الآخرين، ومراقبة أنفسنا والمخالطين القريبين منا لرصد الأعراض، ويتعين على المسؤولين أن يعملوا على إتاحة مواقع الاختبار وخدمات الدعم لعزل الأفراد المصابين بالعدوى، سواء في المنازل أو في المرافق العامة، كما يتعين على مديري أماكن العمل أن يتخذوا التدابير الاحترازية اللازمة، بما في ذلك العمل عن بُـعد أو التباعد الجسدي الآمن في الموقع.

الواقع أن إخفاقات مجموعة العشرين الفاضحة بدأت عند القمة، وأمثال بولسونارو وترامب ليسوا سوى ثرثارين متفاخرين، ومتنمرين، ومُـفَرِقين، ومعتلين اجتماعيا، ولم تدفعهم حصيلة الموتى الهائلة في بلدانهم إلى التعبير عن التعاطف أو وضع سياسات الصحة العامة الفعّـالة، ويرى المرء سلوكيات فاسدة منحرفة مماثلة بين الرجال الأقوياء في مجموعة العشرين، وفي حين أظهرت قيادات نسائية (في نيوزيلندا، وفنلندا، والدنمارك، وأماكن أخرى) سجلا متفوقا في التعامل مع الجائحة، فمن المؤسف أن مجموعة العشرين ليس فيها قيادات من النساء.

ويُـعَـد ترامب حالة خاصة، لأنه يحكم أعظم قوة عسكرية في العالم، ويشكل الاعتلال الاجتماعي الذي يعانيه رئيس الولايات المتحدة مأساة عالمية، على النقيض من الرئيس البرازيلي (وإن كان اعتلال بولسونارو الاجتماعي يؤثر على العالم من خلال أجندة مناهضة للبيئة تغذي التدمير الوحشي المتعمد للأمازون). كان للقرار الذي اتخذه ترامب بسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية في خضم المعركة ضد الجائحة تداعيات عالمية فورية، وينطبق الشيء ذاته على جهوده الرامية إلى إشعال حرب باردة جديدة مع الصين، بدلا من إنقاذ بلاده والتعاون مع الصين لمساعدة بقية العالم في مكافحة الجائحة.

في هذا السياق، من الواضح أن الصين تستطيع تقديم الكثير، فقد استخدمت التدابير الأكثر حسما لوقف جائحة خاطفة (بعد الفاشية الأولى في مدينة ووهان) وربما تكون على الطريق لإنتاج أول لقاح مفيد. غير أن النتائج الاجتماعية لا تتحقق بفضل القيادة السياسية وحسب، فهي تعتمد أيضا على الثقافة والمسؤولية الاجتماعية، إذ تؤكد الثقافة الكونفوشيوسية في شمال شرق آسيا التعاون الاجتماعي والسلوك الشخصي الداعم للمجتمع مثل ارتداء أقنعة الوجه، وفي الوقت ذاته، نجد المتهورين الأميركيين، الذين يشجعهم ترامب، ينادون صراحة بحريتهم في رفض أقنعة الوجه، إنها حرية إصابة أميركيين آخرين بالعدوى، والحق أننا نادرا ما نسمع مثل هذا الادعاء في شمال شرق آسيا.

الأمر الملحوظ أيضا فشل قادة الأعمال الأميركيين في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء الجائحة، فقد طالَبَ، إيلون ماسك، أحد رواد الأعمال البارزين في أميركا، بإعادة فتح الاقتصاد، بدلا من استخدام عبقريته الهندسية للمساعدة في احتواء الفيروس، كما ساهم آخرون من كبار قادة الأعمال بأقل القليل أو لا شيء على الإطلاق في وقف انتشار الجائحة، وهذا أيضا جزء من الثقافة الأميركية: المال قبل الأرواح، والثروة الشخصية قبل المصلحة الاجتماعية.

لا شك أن وزراء مالية مجموعة العشرين سيتحدثون عن المال- الميزانيات، والتحفيز، والسياسة النقدية- وهذا أمر واجب، ولكن بعد أن يتحدثوا فقط عن وقف انتشار الفيروس ذاته، فلا سبيل لإنقاذ الاقتصاد دون وقف الجائحة، ومن المؤكد أن ضمان تدابير الصحة العامة الفعّـالة هو السياسة الاقتصادية الأساسية اليوم.

* جيفري ساكس

* أستاذ التنمية المستدامة وأستاذ السياسة الصحية والإدارة في جامعة كولومبيا، ومدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

كل بلدان مجموعة العشرين تحتاج إلى التعاون حول سياسات على نطاق عالمي للتغلب على الأزمة الصحية
back to top