أكد قياديون سابقون في القطاع النفطي أنه يعاني حاليا التنمر والتدخلات من خارجه، من قبل متنفذين في الدولة، الأمر الذي أدى إلى تراجع القطاع، وعدم قدرة القياديين على اتخاذ القرارات، خاصة المصيرية منها، والتي تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، بداية من المشاريع الكبرى ومرورا بالترقيات، وهي الجزئية التي أثير حولها أخيرا الكثير من اللغط.

وقال القياديون، في تحقيق أجرته «الجريدة»، إن القطاع في حاجة ماسة إلى الحماية، كي يتسنى للقائمين عليه تنفيذ المشاريع الحيوية، وتعظيم الفائدة من القطاع، مطالبين بضرورة منحه المزيد من الاستقلالية بعدم التدخل في شؤونه، وإغلاق كل النوافذ على التمصلح الشخصي منه.

Ad

وأضافوا أن قيادات النفط تتردد في اتخاذ قرارات قد تؤدي بهم إلى المساءلة، معربين عن أسفهم باستخدام البعض الديمقراطية التي تتمتع بها الكويت بشكل خاطئ، وأوضحوا أنه رغم وجود مجلس أعلى للبترول، من المفترض أنه يملك كل الصلاحيات، بشأن اتخاذ القرارات عبر أنظمة ولوائح داخلية، فإنه لا يحظى بالحماية الكافية.

وأكدوا ضرورة إعادة هيكلة القطاع النفطي، وإنشاء كيانات قانونية للشركات النفطية تعمل تحت مظلة واحدة، وضرورة توفير صلاحيات كاملة ومحصنة لوزير النفط ضد التدخلات من خارج القطاع، لعدم التمادي في الهجوم عليه من أجل مصالح شخصية ضيقة، وضرورة عدم تحميل المسؤولين المزيد من الضغوط خارج نطاق العمل المرهق في الأساس، وفيما يلي التفاصيل:

بداية، شدد وزير النفط الأسبق هاني حسين على ضرورة منح القطاع النفطي المساحة الكافية والاستقلالية للتحرك بحرية في إقامة المشاريع الكبرى، والتي تخدم في النهاية الاقتصاد الوطني.

وأضاف حسين أن تلك الاستقلالية لا تعني أن يتم ترك المساحة الكلية دون رقابة، لافتا إلى أن التدخل الدائم في كل أمور القطاع يحد من فاعليته، وبالتالي ينعكس ذلك على الأداء بشكل عام ومؤثر، مؤكدا أن النفط ثروة قومية ومصدر رئيسي وحيوي للدخل القومي للبلاد.

أدوات الرقابة

وشدد حسين على أن أدوات الرقابة لابد أن يثمن دورها في حدود حرية الحركة، مشيرا الى أنه «رغم اننا نحترم كل الجهات المسؤولة في الدولة، لكن يجب ألا يكون تدخلها في إطار التكسبات السياسية».

وتابع: «يجب أن نمنح المسؤولين عن القطاع الثقة، وأن تكون هناك سياسة واضحة المعالم من حيث المشاريع والتوظيف»، موضحا أن القطاع النفطي عليه مهمة مجابهة المسؤولية الملقاة على عاتقه، لا أن يزج به في أتون الصراعات الجانبية والتمصلح الشخصي، كون ذلك يعني عدم إدراك البعض أهمية القطاع.

وأشار إلى أن هناك أمثلة في دول مجاورة تدل على إدراك أهمية مثل هذا المورد الحيوي، وهناك في تلك الدول محاسبة لكن مع الحفاظ على استقلالية القطاع وحرية قرارات المسؤولين عنه.

واضاف أن الأمور في الكويت تدار بردات الفعل، كأن يكون هناك موقف من القطاع لعدم ترقية بعض الأشخاص وعدم التوظيف، فيقوم البعض بالهجوم على القطاع بلا مبرر، لافتا الى ان ذلك يمثل خطرا على الصناعة النفطية المحلية، وأشد ما نخشاه انتهاء الصناعة النفطية في البلاد إلى ما انتهت اليه مثيلاتها في فنزويلا والمكسيك.

دوافع شخصية

من ناحيته، أشار وزير النفط الأسبق عصام المرزوق إلى أن الهجمة السياسية والإعلامية على القطاع النفطي ليست جديدة، بل تتم منذ سنوات، معربا عن رأيه بأن وراءها دوافع شخصية.

وقال المرزوق إن بعض الجهات الإعلامية تحاول إخراج كل ما هو سيئ في أي مشروعات يقوم بها القطاع، بدلا من التشجيع والمدح في المشاريع الحيوية التي يقوم بها المعنيون في القطاع، لافتا إلى أن الهجمة الإعلامية الأخيرة شخصية جدا، بسبب عدم ترقية أحد الموظفين في إحدى الشركات النفطية لعدم اجتيازه الاختبار حسب القوانين المعمول بها في القطاع.

أما بالنسبة للهجمة السياسية فقد أكد المرزوق أنها بدأت منذ كان وزيرا للنفط، حيث بدأت تنهال عليه الطلبات غير القانونية، ولم يستطع الاستمرار مع هذا الوضع، مشبها القطاع النفطي بكيكة يريد البعض اقتسامها.

نظم ولوائح

وأفاد المرزوق بأنه من المفروض أن هناك نظما ولوائح تدار بها مؤسسة البترول، وهناك ضبط وربط ونظم حوكمة، إلا أن البعض من خارج المؤسسة يريد اختراق تلك المنظومة المحكمة لتدار المؤسسة حسب أهوائهم، مبينا أن هذا الأمر سبب إحباطا شديدا بين القياديين، رغم انهم من الكوادر الوطنية النشطة، التي تعمل لمصلحة البلاد، والذين تعرضوا للطعن في ذممهم لانهم لم يرضخوا للضغوط الخارجية.

واضاف ان الهجوم على القطاع من أجل الترقيات يعد تدخلا سافرا في شؤون الاختبارات التي تقام لاختيار الموظف الذي يجتاز تلك الاختبارات الشفافة، والتي يستطيع الموظف من خلال نظام الشفافية هذا معرفة نتيجته قبل أن يغادر قاعة الاختبار.

وطالب بدعم القيادة السياسية للقطاع على أن يكون الوزير المختص خط الدفاع الاول عن القطاع، وأن يكون بعيدا عن التهديدات بالاستجوابات من بعض اعضاء مجلس الامة، مبينا أن هناك وزراء قدموا استقالاتهم بسبب استجوابات كيدية.

اعتماد كامل

من جانبه، ذكر الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة البترول سعد الشويب أن «القطاع النفطي يشكل رافدا أساسيا في الاقتصاد الوطني، حيث تبلغ نسبته من عائدات التصدير أكثر من 90‎ في المئة، وعلى الرغم من الخطط والبرامج التي تضعها الدولة لتنويع مصادر الدخل فإننا مازلنا حتى وقتنا هذا نعتمد بشكل كامل على دخل النفط».

واضاف الشويب انه يحسب للدولة ولمؤسسة البترول وشركاتها التابعة انها استثمرت في القطاع النفطي، من خلال المشاريع الرأسمالية الكبرى، واستطاعت التحول من مجرد بيع وتصدير للنفط الخام الى صناعة المشتقات النفطية والمنتجات البتروكيماوية عالية الجودة، بل وصلت الى منافسة في الاسواق العالمية سواء الاميركية أو الأوروبية.

غير كافية

واشار الشويب الى انه رغم التشريعات الصادرة باعتبار مؤسسة البترول مستقلة وذات شخصية اعتبارية وذات طابع اقتصادي فإن هذه النصوص لم تكن كافية للحد من التدخلات السياسية والاعلامية واصحاب المصالح التجارية في شؤون المؤسسة وشركاتها التابعة، مبينا أن هذا الأمر كان مزعجا حينما كنت في موقع المسؤولية، ويستهلك وقتا طويلا، ويهدر الجهود ويعوقها عن العمل الحقيقي.

وأضاف أنه على صعيد التعيين والتوظيف والترقيات فإن ذلك يتم من خلال أنظمة ولوائح على أعلى مستوى، حيث يخضع المتقدمون لاختبارات شفافة لا تشوبها أي تفضيلات إلا بالمؤهلات اللازمة للتعيينات، موضحا أن التدخلات الخارجية من قبل البعض ادت الى إلغاء بعض المشاريع الكبرى وتأخير بعضها خلال السنوات الماضية.

إعادة هيكلة

وأوضح الشويب أنه بعد مرور 40 عاما على إنشاء مؤسسة البترول تبين وجود بعض السلبيات في هذا النموذج، الأمر الذي يحتم إعادة النظر فيه، من خلال العمل على إعادة هيكلة القطاع.

وقال إن نموذج الهيكلة، الذي سبق أن طرحناه عام 2007 لم يستكمل، وظل حبيس الأدراج حتى تبين للجميع أهميته في إعادة الحيوية للقطاع، ويعالج الترهلات الإدارية ويدفع بعجلة العمل، مضيفا أن تلك الهيكلية تساهم بشكل كبير في التكامل بين الصناعات النفطية، فضلا عن تخفيض المصروفات.

تدخل في الأعمال

من جانبه، طالب عضو المجلس الأعلى للبترول الأسبق محمد الهاجري باستقلالية القطاع النفطي، وعدم منح صلاحيات لاي طرف بالتدخل في أعماله، لأن التدخلات في العمل اليومي للقطاع من بعض المسؤولين جعلت هناك نافذة لبعض أعضاء مجلس الامة وحقوقا مكتسبة لتحقيق مصالح شخصية على حساب القطاع النفطي، بل تعدى الأمر بأن أصبح بعض الأعضاء شركاء في شركات نفطية، مما جعل المصالح تتلاقى لتحقيق أي مكاسب حتى لو كانت متعارضة مع مصالح القطاع.

وبين الهاجري أن نواب مجلس الامة يهددون دائما قيادات القطاع النفطي بالحصانة والاستجوابات، لافتا الى ان وزير النفط يجب أن يعمل على تذليل كل الصعوبات التي تواجه أعمال القطاع، وألا يتدخل في روتين العمل اليومي، خاصة أن الشركات التابعة لقطاع النفط تديرها كوادر تنفيذية كفوءة.

مشاكل سياسية

وأضاف الهاجري أنه لا يعفي مجلس الوزراء من تحمل مسؤولياته تجاه توفير الحماية للقطاع النفطي، مؤكدا أن الحل الأمثل هو إبعاد القطاع عن المشاكل السياسية، ولفت الى ما قامت به السعودية بجعل شركة أرامكو تابعة للملك شخصيا، ومن باب أولى أن يكون القطاع النفطي الكويتي تحت حماية صاحب السمو أمير البلاد.

وأعرب عن اعتقاده بأن إعادة هيكلة القطاع النفطي أصبحت أمرا هاما، فضلا عن ضرورة إنشاء كيانات قانونية للشركات النفطية تعمل تحت مظلة واحدة، لافتا الى أن كل ذلك لا يمنع أن تكون هناك رقابة صارمة على القطاع في حدود عدم التدخل الصارخ في أعماله، حتى يستطيع القائمون عليه تسيير أعماله بيسر والتركيز في المشاريع الحيوية فقط.

وأشار إلى أن المجلس الأعلى للبترول، ورغم أنه يتكون من وزراء فإنه لم يتم منحه الدور الحقيقي في اتخاذ القرارات المصيرية للقطاع النفطي في البلاد، مشددا على أنه مهما كانت المصالح الشخصية فلابد من وضع مصلحة الكويت أولا.

أسوأ حالاته

بدوره، أفاد عضو المجلس الأعلى للبترول الأسبق عبدالهادي العواد بأن فترة الـ15 سنة الأخيرة غير محمودة للقطاع النفطي، بسبب كثرة التدخلات الخارجية، لافتا الى أن القطاع كان يعيش فترة ذهبية من عام 1980 الى 1988، وبعدها تم إنشاء مؤسسة البترول وقطاعاتها النفطية، وتوالى عليها وزراء كثر، منهم من حاول رفع شأن القطاع ومنهم من فشل في ذلك، وبناء على ذلك امتدت أيادي أصحاب المصالح الى القطاع، بسبب الصلاحيات المحدودة للوزير، وتسلط بعض الأجهزة على عمله.

وأضاف العواد أنه من الضروري توفير كل سبل الحماية من الدولة للقطاع للقضاء على الجهات التي تبحث عن استفادة شخصية، وكذلك من الضروري القضاء على الفساد الذي نشره بعض المفسدين، خاصة في مجال المناقصات المشبوهة، التي ضاعت بسببها فرص كثيرة.

وشدد على ضرورة القضاء على نفوذ بعض أعضاء مجلس الامة، لأنهم يهددون ويتوعدون قيادات نفطية ما لم يدخلوا في التعيينات وحتى المناقصات، وضرورة أن تتوافر حماية من أعلى سلطة في البلاد للقطاع، معربا عن أسفه لاستخدام الديمقراطية في البلاد بشكل خاطئ، حيث تم استخدامها كوسيلة للفساد، ولفت إلى أن الضغوط الخارجية على القطاع مرهقة جدا، ومعرقلة لمسيرة القطاع التنموية.

تنمر شديد

وأوضح العواد أن هناك تنمرا شديدا في القطاع والقيادات العاملة فيه، والتي تخشى أحيانا من اتخاذ القرارات خوفا من المحاسبة.

ولفت الى أنه على الرغم من وجود مجلس أعلى للبترول، وله سلطات قانونية حددت باللوائح والانظمة الداخلية فإنه لا يحظى بالحماية الكافية في كل قراراته، وأضاف أن القطاع النفطي يعيش أسوأ حالاته ولا يملك قراراته.

معاول هدم

من جانبه، ألقى العضو المنتدب للتخطيط والمالية في مؤسسة البترول الكويتية الاسبق سهيل بوقريص باللوم على مجلس الوزراء لعدم توفير الحماية الكاملة لوزير النفط ضد التدخلات الخارجية التي تعد معاول هدم للقطاع، مبينا أن السلطة التشريعية في البلاد تتمادى في الهجوم على الوزراء، من أجل مصالح شخصية ضيقة لبعض النواب، الأمر الذي يجعل المسؤولين عن القطاع لا يتحملون الابتزاز المستمر.

وشدد على ضرورة الابتعاد عن القطاع، كون ضغوط العمل وحدها ثقيلة على القيادات الوطنية المخلصة، ولا يستطيع أحد تحمل المزيد من الضغوط النفسية خارج نطاق العمل، فضلا عن أصحاب الذمم الفاسدة والمستفيدين من التدخل في شؤون القطاع وأعماله.

وأشار الى أن الهجوم المستمر على القطاع النفطي يحد من نشاطاته، ويسبب الإحباط لكل العاملين فيه، مضيفا أن العديد من المشاريع الكبرى تم إلغاؤها بسبب التدخلات الخارجية، وعلى رأسها أخيرا مشروع الدبدبة، ومن قبلها مشروع الداو.

هجوم غير مبرر

من ناحيته، قال عضو مجلس إدارة مؤسسة البترول سابقا عبداللطيف التورة إن الهجمة الاخيرة على القطاع النفطي جاءت ضمن هجمات كثيرة سابقة كانت بسبب موضوع الترقيات، مشيرا إلى أنه كان هجوما غير مبرر، كون الترقيات تتم وفق لوائح ونظم محدودة، وكذلك اختبارات دقيقة وشفافة، حيث يتم اختيار الافضل وليس بالاقدمية.

وشدد التورة على ضرورة إصدار قانون يحمي القطاع النفطي من تدخلات بعض اعضاء مجلس الامة، لافتا الى أن هناك جهة محاسبة للقطاع وكل قطاعات الدولة، وهي ديوان المحاسبة.

وأكد ضرورة وضع حد لتدخلات بعض النواب، ولو كان ذلك يحتاج الى اصدار قانون أو تشريع من الدولة، حتى يستطيع قيادات النفط العمل بدون ضغوط من اجل مصالح شخصية، ومن الضروري ايضا منح القيادات والعاملين في القطاع الوقت كي ينجزوا المشاريع الكبرى، مطالبا في الوقت نفسه بالقضاء على الفساد من أجل تنمية الكويت بشكل صحيح.