صار المشهد أشبه بحرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة مع تصاعد منسوب التوتر بينهما يوماً تلو آخر، وسط توقع أن يبقى خطر مواجهة واسعة النطاق ماثلاً إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين الصينية تشي يينهونغ، "من الصعب توقع المدى الذي سيبلغه تدهور العلاقات"، معرباً عن اعتقاده بأن الخصمين "شرعا في الانتقال إلى حرب باردة جديدة".

Ad

واتصفت الأسابيع الماضية بسلسلة من العقوبات والردود والردود المضادة.

وتعكس الملفات الشائكة مدى الخلافات، إذ تشتمل على مستقبل هونغ كونغ ودور عملاق الاتصالات هواوي في تكنولوجيا الجيل الخامس، مروراً بالتيبت وبحر الصين الجنوبي ومسألة مسلمي الأويغور.

ومن المتوقع بالتالي أن تحتل الصين مكانة مهمة في صلب الحملة الانتخابية بين المرشحَين للانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الثالث من نوفمبر، دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن. ويصف ترامب بايدن بأنّه ضعيف في مواجهة بكين.

والمشهد شبيه بما حصل في انتخابات 2016، حين تعهد المرشح الجمهوري خفض العجز التجاري مع الصين، ما شكّل واحداً من أسباب فوزه.

غير أنّ المواقف المتشددة للرئيس الأميركي في ولايته الأولى إزاء الصين، جاءت على خلفية حرب تجارية جرى التوصل خلالها إلى اتفاق ينقسم على عدة مراحل.

في ما عدا ذلك، لم يكن الجمهوري، رجل الأعمال السابق، يبخل على نظيره الصيني شي جينبينغ بالثناء.

لكن نشوب أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد الذي كشف عنه للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في نهاية 2019، ألقى الضوء على أزمة أكثر عمقاً بين الطرفين.

فبعدما "شكر" ترامب بحرارة في نهاية يناير جينبينغ "لجهوده" في "احتواء" الفيروس، بدّل الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة خطابه جذرياً، ليحمل الصين مسؤولية الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية.

وتبنى عملياً استراتيجية المواجهة المباشرة التي ينتهجها وزير خارجيته مارك بومبيو.

ووفق ستيفان والت، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفرد، فإنّ أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين دخلتا في "تنافس أمني طويل الأمد (...) تفاقمه رؤى استراتيجية متضاربة".

وقال لفرانس برس، إنّ "الأمر يشبه الحرب الباردة في بعض أوجهه"، ولكنّه شدد على أنّ التنافس الحالي "ليس بخطورة" ما جرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

ورغم أنّ الخصومة كانت ماثلة منذ ما قبل عهد ترامب، فإنّ "السبب الرئيس خلف التدهور (الحالي)، يتوجب البحث عنه في تنامي الطموحات الدولية للصين"، خصوصاً لناحية رغبتها في الهيمنة في آسيا.

وبعد 70 عاماً من نشوئها، تؤكد الصين الشيوعية أكثر من أي وقت وضعيتها كقوة كبرى تنافس الولايات المتحدة.

أما في واشنطن، فإنّ الطبقة السياسية تخطت الأمل القديم بأن يؤدي مسار العولمة إلى إدخال تغييرات على النظام الحاكم في الصين عبر توفير مزيد من الديمقراطية والحريات توازياً مع الازدهار الاقتصادي.

ولم يعد مايك بومبيو يرفض الإحالة على الحرب الباردة، بعدما كان في 2018 يعترض على أي مقارنة.

وإذ يشير إلى مدى "التشابك البالغ" بين الاقتصادين الأميركي والصيني مقارنة بما كان عليه الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فإنّه يرمي بذلك إلى تبرير ضرورة سعي الدول الغربية إلى استعادة سيادتها الصناعية والتكنولوجية والتوقف عن الاعتماد على الصين.

وفي استعارة لمصطلح عسكري، حذّر وزير العدل الأميركي بيل بار عمالقة هوليوود وسيليكون فالي من "حرب اقتصادية خاطفة" من الصين بغية "تجاوز الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى الأولى عالمياً".

وبهدف بث الروح مجدداً في فكرة كتلة في مواجهة أخرى، ترغب إدارة ترامب في ضمّ الاتحاد الأوروبي إلى صفوفها. وتدعو من أجل ذلك إلى الدفاع عن "الحرية" في وجه الطغيان".

لكن الباحثة في مركز "اميريكن انتربرايز انستيتيوت" للأبحاث أوريانا سكيلار ماسترو، تفضّل عدم الحديث عن "حرب باردة جديدة"، إذ إنّ ذلك سيقود باتجاه اعتماد "تدابير استراتيجية غير مجدية".

رغم ذلك، فإنّها تحذر من أنّ "ثمة احتمالاً واقعياً لـ"حرب ساخنة" بين الطرفين.