وجهة نظر: مخاطر النظرة السلبية للتصنيف الائتماني
تتمتع الكويت بمركز ائتماني دولي جيد من قبل مؤسسات التصنيف الدولية الثلاث، رغم العجز الذي تسجله ميزانيتها العامة منذ أن بدأت أسعار النفط بالتراجع قبل 6 سنوات. ويستند المركز الائتماني الجيد للكويت على ركيزتين؛ الأولى هي مخزونها من الاحتياطي النفطي المؤكد، حيث إنها تحتل المركز الدولي التاسع على مستوى هذا الاحتياطي، والركيزة الثانية هي ثروتها السيادية المتراكمة منذ الخمسينيات، والتي تقدَّر بنحو 550 مليار دولار، ومعظم هذه الثروة مستثمر في أصول متنوعة بالأسواق الدولية.وتصنف «ستاندرد آند بوورز»، وهي إحدى وكالات التصنيف الدولية الثلاث، الدول من حيث موثوقية سنداتها السيادية وفق مقياس يتدرج من المعيار «AAA» لأعلى الدول المقترضة موثوقية، وصولا إلى المعيار «D» للدول شديدة المخاطر، وبين هذين المعيارين المتطرفين معايير متوسطة كثيرة. ويرتبط كل معيار من معايير التصنيف بدرجة تقييم تعبِّر عن مدى احتمالية تغيُّر هذا المعيار في المستقبل، فإن كان المعيار مرشحا للتحسن توصف النظرة إليه بأنها إيجابية، أما إذا كان معرضا للانخفاض، فتوصف النظرة إليه بأنها سلبية، وإن كان التصنيف غير مؤكد الاتجاه، توصف النظرة إليه بأنها محايدة أو مستقرة.
وكانت «ستاندرد آند بوورز» خفضت تصنيف الكويت الائتماني في 26 مارس الماضي من «AA» إلى «-AA»، مع نظرة مستقرة. وأكدت يوم الجمعة 17 الجاري استمرارية هذا التصنيف، أي «-AA»، لكنها خفضت النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سالبة، بسبب النفاد المتوقع لصندوق الاحتياطي العام، المصدر الرئيسي لتمويل الميزانية، وعدم وضع ترتيبات بديلة لتمويل العجز. وحذرت الوكالة من إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للكويت إذا منعت الترتيبات المؤسساتية الحكومة من إيجاد موارد مستدامة لسد احتياجاتها التمويلية، أو إذا ظلت جهود الإصلاح الاقتصادي بطيئة، مثل تأخُّر تدابير تنويع الاقتصاد وإدخال الضرائب، أو إذا انخفضت مرونة السياسة النقدية.ولا تزال الكويت تحتفظ، حتى مع هذا التصنيف (-AA)، بموقف ائتماني جيد، حيث إن سنداتها تُعد سندات استثمارية ذات ضمان جيد، وتُعد السندات الدولية استثمارية إذا كان تصنيفها الائتماني المحدد من «ستاندرد آند بورز» من مستوى «-BBB» أو أعلى. أما السندات ذات التصنيف (+BB) فأقل، فتعتبر مضاربية. وتصنيف الكويت الحالي (-AA) يشير إلى أن سنداتها الدولية تعتبر ذات جودة عالية نسبيا، ومخاطر ائتمانية قليلة، لكنها عُرضة لمخاطر أكبر على المدى الطويل. المخاطر والتباعدوتتمثل تبعات تحول نظرة «ستاندرد آند بوورز» إلى السلبية، في إتاحة الفرصة أمام وكالات التصنيف الدولية الأخرى للقيام، في الأيام القليلة المقبلة، بتخفيضات مماثلة للتصنيف الائتماني للكويت أو النظرة إليه. كما يترتب سواء على انخفاض التصنيف الائتماني السيادي، أو تحول النظرة إليه من مستقرة إلى سلبية، ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي على الدولة بدرجة ملموسة، ما يحد من جاذبية خيار اللجوء إلى سوق الدين العالمي، بسبب ارتفاع تكلفة السندات السيادية الكويتية، وزيادة أعباء خدمة الدين في المستقبل. وهذا يعني أن الكويت أضاعت فرصة الحصول على ائتمان دولي بتكلفة أقل نسبيا، بسبب تأخر تجديد قانون الاقتراض العام.كما أنه من شأن خفض التصنيف السيادي للدولة أن يتبعه تلقائياً خفض تصنيفات البنوك أو المؤسسات المحلية المصنفة ائتمانيا. وقد يترتب على تخفيض التصنيف السيادي ارتفاع تكاليف الاقتراض للمؤسسات المحلية التي تتعامل بالائتمان الخارجي. كما أن انخفاض التصنيف الائتماني، أو النظرة المستقبلية السلبية التي تشير إلى احتمالية تخفيض هذا التصنيف في المراجعات اللاحقة، يؤثر بدرجة ملموسة على الحالة النفسية للمستثمرين وقراراتهم، بما في ذلك تداولات الأوراق المالية. كما يتبع تخفيض التصنيف الائتماني في الدول ذات العملات المعومة تراجع سعر صرف العملة المحلية وضعف قوتها الشرائية، إلا أن الدينار الكويتي في منأى عن مثل هذا التراجع، لأن سعر صرفه مرتبط بسلة مرجحة من العملات الدولية لأهم شركاء الكويت التجاريين والماليين. ومن أخطر التبعات المترتبة على انخفاض التصنيف الائتماني السيادي، أو النظرة المستقبلية السلبية له، اضعاف قدرة الدولة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وكما نعرف، فإن الكويت تعاني تاريخيا ضعف قدرتها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مقارنة مع أقرانها في مجلس التعاون الخليجي. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول المجلس خلال العام الماضي (2019)، والتي أوردها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الصادر في 16 يونيو من هذا العام، حيث بلغ إجمالي هذه التدفقات إلى الكويت 104 ملايين دولار فقط، فيما بلغ إجمالي التدفقات المناظرة إلى الإمارات 13.8 مليار دولار، وإلى السعودية 4.6 مليارات دولار، وإلى سلطنة عمان 3.1 مليارات دولار، وإلى البحرين 942 مليون دولار. *د. عباس المجـرن أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت