بنظر معظم اللبنانيين، كان وباء "كوفيد-19" كابوساً حقيقياً، لكن استنتج حزب الله سريعاً أنه نعمة متنكرة، فقد ساعدته هذه الأزمة الصحية على تغيير صورته باعتباره طرفاً يقدم الخدمات إلى جميع اللبنانيين، لا الشيعة فقط، ومن خلال السيطرة على أهم المناصب البيروقراطية في الحكومة وإثبات قوته التنظيمية، حوّل حزب الله الرعاية الصحية إلى سلاح قوي في لبنان، فكسب تأييد جزء كبير من الشعب وكبح بذلك مخاوفه من أن تخضع مؤسسات الرعاية الصحية والطواقم الطبية والشركاء التجاريون في لبنان للعقوبات الدولية.أنتج فيروس "كوفيد-19" الأزمات والفرص في آن، فجدّد رغبة حزب الله في تولي مناصب حكومية دائمة، لا سيما في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وسورية، فانعكس هذا الوضع على كمية الأموال النقدية التي يتلقاها الحزب من طهران، إذ يسيطر حزب الله أصلاً على الرئاسة عبر حليفه ميشال عون وعلى البرلمان بفضل صديقه القديم نبيه بري، وقد اختير رئيس الوزراء الحالي حسان دياب بموافقة حزب الله قبل سبعة أشهر، ويبدو أن الحزب فضّل أن ينشط بالوكالة في وزارة الصحة خوفاً من تعريض قطاع الصحة اللبناني كله للعقوبات الأميركية في حال تولى هذه المهمة مباشرةً.
على مر الشهر الماضي، أطلق الحزب ترسانة جديدة، لكنها لا تتألف هذه المرة من الصواريخ، بل تشمل 20 ألف عامل في مجال الرعاية الصحية، فانتشر هؤلاء في أنحاء لبنان لمساعدة وزارة الصحة على محاربة الوباء، وكذلك، كُلّف 1500 طبيب و3 آلاف ممرّض تابعين لحزب الله بالتوجه إلى المناطق التي تحتاج إلى مساعدة طبية، وخصّص الحزب أيضاً 32 مركزاً من مراكزه الطبية في جنوب لبنان للاعتناء بالمصابين بفيروس "كوفيد-19"، مع أن العلاج الرسمي ينحصر في مستشفى رفيق الحريري الحكومي.على صعيد آخر، أعلن أمين عام الحزب حسن نصرالله صراحةً أن الصين مستعدة للتعامل مع لبنان بقيادة حزب الله، فقدّم بذلك بديلاً عن الشركاء التقليديين من أمثال المملكة العربية السعودية وفرنسا، حيث يستفيد نصرالله سياسياً من المبالغة في الإشادة بالخيار الصيني بدل الدعم الغربي، وقد تبرعت بكين فعلياً بـ17500 قناع طبي و1500 بذلة واقية إلى وزارة الصحة في 11 يونيو، وسُجّلت تبرعات مماثلة في مايو الماضي من جيش التحرير الشعبي الصيني إلى الجيش اللبناني، حيث حصلت هذه التطورات تزامناً مع حصول نقص حاد في الدولارات الأميركية داخل لبنان، مما منع المستشفيات من تلقي الإمدادات الطبية الأساسية لمحاربة فيروس "كوفيد-19". يجيد حزب الله أصلاً إدارة المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية التي كانت تقدم خدماتها في السابق لناخبي الحزب حصراً في جنوب لبنان، لكن إذا وصل الدعم الصيني الموعود، فقد تتخذ خدماته بُعداً جديداً، وقد كانت الشبكة الطبية التابعة لحزب الله تستهدف الشيعة، لا سيما الأكثر فقراً وحرماناً منهم، فيتلقون العلاج مجاناً، وبما أن قطاع الصحة أصبح اليوم تحت سيطرة حزب الله فإن هذا الأخيريستطيع أن يوسّع خدماته كي تشمل أنصاره وأصدقاءه وحتى خصومه، على أمل أن يُلمّع صورته في جميع الأوساط السياسية.وفي وقتٍ سابق من هذه السنة، زار وزير الصحة اللبناني بلدة بشري المسيحية المحسوبة على قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، أبرز خصم سياسي لحزب الله، بعد انتشار فيروس كورونا فيها، وكانت الزيارة تهدف ظاهرياً إلى تقييم الخدمات الصحية في المناطق المسيحية، لكنها أرادت أيضاً أن تبدّد الفكرة الشائعة عن حصر خدمات حزب الله في الأوساط الشيعية.بالنسبة إلى معظم اللبنانيين، يشكّل الوضع الراهن كابوساً مريعاً على جميع المستويات، لكنه نعمة حقيقية بنظر حزب الله، ففي ظل انهيار الدولة يستطيع الحزب اليوم أن يتحكم بلبنان بكل حرية، بغض النظر عن إفلاس البلد، بعدما تحرر من أعباء الالتزامات الدولية ومواقف السياسيين الموالين للغرب والمنتقدين لسلوكه، وتزامناً مع انهيار الاقتصاد اللبناني، يجب أن تتابع قطاعات معينة توفير الحاجات الأساسية للمواطنين اللبنانيين العاديين، ومع استمرار أزمة "كوفيد-19"، لا شك أن وزارة الصحة التي يسيطر عليها حزب الله ستبقى من أهم المناصب المؤثرة.* سامي مبيض* «مركز السياسة العالمية»
مقالات
فيروس «كورونا»... فرصة إيجابية لـ«حزب الله»!
21-07-2020