مخيمات اللاجئين... والسعي من أجل العدل
![جيمس زغبي](https://www.aljarida.com/uploads/authors/222_1682522396.jpg)
وبعد ذلك بعام، جمعت أنا و«إيلين» متاعنا وتوجهنا إلى لبنان، وكان معنا أول أطفالنا، فقد تلقيت منحة تمكنني من قضاء وقت في مخيمات اللاجئين، كي أجمع قصصاً عن النكبة، وبعد أيام من المقابلات، وفي حين كنت أغادر مخيم «عين الحلوة» في لبنان، أمسكت عجوز بذراعي وقالت: «قصصنا عليك قصتنا، فماذا أنت فاعل بها؟» وفي رحلة العودة، أخبرت «إيلين» أن حياتنا لن تكون كما كانت من قبل، وهذا ما حدث بالفعل، فبعد ذلك ببضع سنوات، حين كنت أدرس في معهد جامعي بولاية بنسلفانيا، دشنتُ حملة «حقوق الإنسان الفلسطيني»، وهو ائتلاف من قيادات الحقوق المدنية ومناهضي الحرب والزعامات الدينية، ثم اتخذت قراري ببيع المنزل والمغامرة بانعدام الأمن لإدارة جماعة غير هادفة للربح، وانتقلت إلى واشنطن لإدارة حملة «حقوق الإنسان الفلسطيني»، وكان لدينا في ذاك الوقت ثلاثة أطفال صغار، لكن «إيلين» أيدت قرارنا وظلت متمسكة بما أصبح التزامنا. وأثناء العقود الأربعة التالية ظلت «إيلين» بجانبي، ودشنّا «اللجنة الأميركية العربية ضد التمييز» عام 1980، ثم لجنة «أنقذوا لبنان» عام 1982 لتقديم العلاج الطبي للأطفال الضحايا آنذاك من القصف الإسرائيلي للبنان، وخلال هذه الفترة، قضيت بعض الوقت للقيام بدور نائب مدير حملة جيسي جاكسون الرئاسية عام 1984، وشاركت في رئاسة مشروع دشنه آل غور عام 1990، واستمرت تهديدات القتل، واستمرت معها فترات من عدم الاستقرار المالي، ومنذ بداية ممارستي إلقاء الخطب كانت «إيلين» حاضرة هناك ترشدني، وفي السنوات الأولى كنت أحياناً أقع في أخطاء استخدام لغة قاسية أو غير مصقولة، وحينها كنت أراها تبدي استياءها، وحين كنت أسرف في الإطالة كانت تنقل إلي رسالة، مفادها أنه يجب إنهاء كلمتي، وكانت تُحصي المرات التي تستاء فيها وتخبرني بها، وفي نهاية المطاف استطعت أن أنهي خطبة دون أن تبدي امتعاضها لمرة واحدة، وكانت تراجع كتاباتي أيضاً حتى أصبحت في نهاية المطاف أفضل محرر لما أكتب.ومع نمو أطفالنا بدأنا نسافر معاً، وذهبنا إلى لبنان- وزرت هناك قرية والدي- والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وأيرلندا، حيث سعت «إيلين» إلى استكشاف جذورها، وكان لديها ولع خاص بأيرلندا وبتاريخها وبمعاناة الأيرلنديين على أيدي البريطانيين، ولذا ذهبنا إلى هذه البلاد مرات كثيرة، وخلال كل هذا، ظلت متمسكة بحب العدل، ودعمت جهودي التي أصبحت محور حياتي وعملي، ووجدت أيضاً قضايا جديدة تتبناها، مثل إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، والحد من انتشار المسدسات، وإصلاح الرعاية الصحية، وحقوق أصحاب الحاجات الخاصة، وكانت متحمسة لبيرني ساندرز، وكانت أماً وجدة ممتازة وناقلاً للقيم في أسرتنا.وتوقفتُ عن العمل بعد أن أصيبت «إيلين» بسكتة في نوفمبر 2019 وظللت بجانبها يومياً لعدة شهور، والرحلة الوحيدة التي قمت بها أثناء وجودها في المستشفى، كانت بناء على إصرار منها، فقد طلبت مني أن أكون نائباً عن بيرني ساندرز لأتحدث في يوم مارتن لوثر كينغ، تكريماً لجيسي جاكسون، وحين عدت وعرضت عليها مقطعاً مصوراً من كلمتي أعجبها ذلك، لقد ظلت «إيلين» تقوم بتعديل خطبي، وحبها للعدل ساعدني في تشكيل وتوجيه أطفالنا للسعي في سبيل العدل في مجالات مختلفة، مثل الحقوق المدنية، وإصلاح الهجرة وحقوق أصحاب الإعاقة، وحماية البيئة، والمساواة والعدل في التعليم العالي والابتدائي. إنهم جميعاً، وأنا أيضاً، من إرث «إيلين» وما كان لنا أن نكون على ما نحن عليه، لولا حبها وإيثارها.* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.