في 16 يوليو 2020 عقدت الصين أول اجتماع لها مع وزراء خارجية الدول الخمس في آسيا الوسطى بصيغة "5+1"، وتفيد التقارير بأن ذلك الاجتماع كان من تخطيط بكين وركّز على التعاون المشترك لمحاربة فيروس كورونا وإعادة إحياء اقتصادات المنطقة، فطوال عقود كانت الصين تحاول إقامة علاقات ثنائية مع هذه البلدان، أو في سياق تجمعات إقليمية أكبر حجماً تشمل روسيا، على غرار "منظمة شنغهاي للتعاون"، فاستعملت الصين صيغة "5+1" في اجتماعاتها وتوصلت إلى اتفاق إقليمي على نطاق أضيق، وربما اعتبرت بكين الوقت مناسباً اليوم لتوسيع نفوذها في المنطقة تزامناً مع زيادة أعباء الأنظمة الصحية في دول آسيا الوسطى وتعرّض اقتصاداتها للضغوط.خلال اجتماع عبر الإنترنت، أعلنت الصين عن استعدادها لتأمين ممر أخضر لمنتجاتها نحو آسيا الوسطى وشراء كميات إضافية من المنتجات الزراعية من تلك المنطقة، وخوفاً من التداعيات الاقتصادية والأزمة الصحية نتيجة موجة ثانية من إصابات "كوفيد-19"، بدأت دول آسيا الوسطى تلجأ إلى بكين لطلب المساعدة.
لا تُعتبر صيغة "5+1" (تعقد دول آسيا الوسطى اجتماعات منتظمة مع بلد واحد من خارج المنطقة) تدبيراً جديداً، حبث كانت اليابان أول دولة تتبنى هذه الصيغة المبنية على التعاون المشترك في عام 2004، ثم تبعتها كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأخيراً الصين.رغم التأخر في استعمال صيغة "5+1"، كان حضور الصين في اقتصادات المنطقة مؤثراً منذ عقود، فعلى مستوى العلاقات التجارية تُعتبر الصين أهم شريكة أو ثاني أهم شريكة في المنطقة، كذلك أصبحت مستثمرة كبرى في البنى التحتية الميدانية والرقمية هناك، وكثيرا ما فضّلت إقامة علاقات ثنائية في تعاملاتها مع هذه الدول، فالاجتماعات الإقليمية ليست جديدة بالضرورة، إذ تلتقي البلدان بانتظام في إطار "مبادرة الحزام والطريق" و"منظمة شنغهاي للتعاون"، لكن لا تقتصر تلك الاجتماعات على البلدان الخمسة في آسيا الوسطى والصين. قد تكون طمأنة دول آسيا الوسطى حول استمرار الاهتمام الصيني بالمنطقة رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي فيها جزءاً من الأسباب التي دفعت بكين إلى إطلاق هذا الشكل من التعاون الإقليمي الآن، وربما يتعلق سبب آخر بتدهور علاقات الصين مع عدد من القوى العالمية بسبب سوء تعاملها مع انتشار "كوفيد-19" في المراحل الأولى، مما دفع بكين إلى تحويل انتباهها نحو البلدان الصديقة لتقوية شبكة دعمها. على صعيد آخر بدأت معاملة بكين لجماعات الإيغور المسلمة تكسب انتباهاً متزايداً حول العالم، وقد تحتاج الصين إلى تطمينات من قادة آسيا الوسطى للتأكد من أن شعوبهم لن يتعاطفوا مع جيرانهم المقربين منهم ثقافياً ولغوياً على الجانب الآخر من الحدود. يرتبط سبب آخر لإطلاق الجهود الصينية الرامية إلى توثيق التعاون الإقليمي بإقدام بكين في فبراير 2020، بعد اجتماع دول آسيا الوسطى والولايات المتحدة بصيغة "5+1"، على اتهام الأميركيين بالافتراء وبث الخلافات بين آسيا الوسطى والصين، فقد أثبت ذلك التصريح أن بكين تعرف أن زملاءها في آسيا الوسطى يشاركونها نفورها الشديد من سلوك وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وابتزازه، فقد كان الصدام بين بكين وواشنطن بسبب آسيا الوسطى حادثة نادرة وجريئة، لكن أثبتت الصين بذلك أنها لن تتوانى عن خوض صراعات محدودة أو كبرى للدفاع عن مصالحها.ينذر أول اجتماع إقليمي بين دول آسيا الوسطى والصين بحصول تحوّل سلس من علاقات اقتصادية إلى علاقات ذات طابع سياسي، ومن المتوقع أن تترسخ العلاقات الاقتصادية التي تفرضها "مبادرة الحزام والطريق" والعلاقات الأمنية التي تنص عليها "منظمة شنغهاي للتعاون" بفضل العلاقات السياسية التي تُمهّد لها الاجتماعات بين آسيا الوسطى وبكين. تسمح هذه الصيغة الجديدة بتوسيع دور الصين في المنطقة، وتؤكد استعدادها لخوض المنافسة وفرض نفوذها هناك عند الحاجة.* أوميدا هاشيموفا* «دبلومات»
مقالات
الصين تطلق اجتماعات بصيغة «5+1» مع آسيا الوسطى
22-07-2020