قال الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، إن تعافي أسعار النفط وتخفيف إجراءات الحظر وإعادة فتح أنشطة الأعمال التجارية ومراكز التسوق تدريجياً ساهمت بتحسن الأوضاع الاقتصادية في الكويت إلى حد ما خلال الأسابيع الأخيرة، لكن استمرار فرض الحظر الجزئي وعودة العديد من الشركات للعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية وفرض قيود صارمة على السفر قد يؤخر عودة الاقتصاد إلى مستوياتها الطبيعة قبل بدء الجائحة. وحسب الموجز، تبذل الحكومة أقصى جهودها لمواجهة استمرار ارتفاع عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس "كوفيدـ19" منذ منتصف يونيو، ما قد يؤدي - إذا لم تتم السيطرة عليه - إلى إبطاء وتيرة إعادة فتح الأنشطة التجارية وتأخير تعافي ثقة قطاع الأعمال والمستهلكين، وهي من العوامل الحاسمة لتحقيق انتعاش اقتصادي قوي.
وهناك بعض البيانات الاقتصادية التي صمدت بشكل جيد نسبياً في مواجهة هذه الظروف، ويشمل ذلك كلاً من الائتمان المصرفي والإنفاق الاستهلاكي، إذ انتعش الأخير في يونيو مقترباً من مستويات ما قبل الأزمة، وإن كان من المحتمل أن يكون قد تلقى دفعة مؤقتة من الطلب المكبوت وتأجيل سداد القروض. لكن عموماً ما زلنا نتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً حاداً في العام الحالي بحوالي 6 في المئة على خلفية كل من إجراءات الحظر لاحتواء تفشي الجائحة وسياسة "أوبك" وحلفائها التي أدت إلى خفض إنتاج النفط المحلي إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2004. وقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 4 في المئة على الأقل في عام 2020، ومن المرجح أن يشهد القطاع الخاص انكماشاً بوتيرة أكبر. كما يتوقع أن نشهد انتعاشاً جيداً في عام 2021 إذا تم احتواء الفيروس بشكل فعال وتعافت أسعار النفط إلى مستويات تقارب 50 دولاراً للبرميل. وفي ذات الوقت، ساهم ارتفاع أسعار النفط في تخفيض توقعاتنا الخاصة بعجز موازنة العام الحالي، لكن في ظل وصول العجز إلى أكثر من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإنه ما يزال مرتفعاً، مما يجعل التوصل إلى ترتيبات لتمويل العجز من القضايا الملحة بشكل متزايد مع مواصلة مجلس الأمة مناقشاته حول قانون الدين العام الجديد.
أسعار النفط
وساهم خفض "أوبك" وحلفائها لحصص الإنتاج وتحسن توقعات الطلب على النفط في ظل خروج العديد من الدول من عمليات الإغلاق، في تعزيز أسعار مزيج خام برنت التي شهدت نمواً ملحوظا ًبنسبة 80 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من عام 2020 لتستقر عند أعلى مستوياتها المسجلة خلال ثلاثة أشهر وصولاً إلى 41.0 دولاراً للبرميل.من جهة أخرى، أنهى خام التصدير الكويتي تداولاته على ارتفاع بنسبة 41 في المئة، إذ وصل إلى سعر 36.3 دولاراً للبرميل، كما تجاوز أخيراً مستوى 44 دولاراً للبرميل على خلفية ارتفاع العلاوات على أنواع النفط الخام المتوسط. إضافة إلى ذلك، رفعت الكويت سعر البيع الرسمي لخاماتها (وهو فعلياً تقليل الخصومات مع أسعار أنواع النفط القياسية الأخرى) لأربعة أشهر على التوالي منذ الخصومات القياسية في أبريل.وخلال شهر مايو، وهو الشهر الأول لتطبيق "أوبك" وحلفائها لتعميق خفض حصص الإنتاج، سجلت الكويت معدل امتثال بنسبة 95 في المئة مما أدى إلى تراجع الإنتاج من مستوياته القياسية المسجلة في أبريل والتي بلغت حوالي 3.12 ملايين برميل يومياً إلى 2.20 مليون برميل يومياً - أي أقل بقليل من المستوى المستهدف البالغ 2.17 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن يشهد شهر يونيو انخفاض إنتاج الكويت إلى 2.09 مليون برميل يومياً نتيجة للتخفيضات الطوعية الإضافية التي تبلغ 80 ألف برميل يومياً، التي اتفقت عليها البلاد إلى جانب السعودية والإمارات وعمان. واعتباراً من يوليو، ستعود الكويت إلى حصص خفض الإنتاج المقررة من "أوبك" وحلفائها، ما سيؤدي إلى رفع حصة الإنتاج إلى 2.17 مليون برميل يومياً.وسوف تساهم الإمدادات النفطية من حقلي الخفجي والوفرة في المنطقة المحايدة في تلك الزيادة المقررة، إذ يعاود الأخير عملياته التشغيلية في يوليو للمرة الأولى منذ عام 2015. وبدأ النفط يتدفق من حقل الخفجي البحري بطاقة إنتاجية 250 ألف برميل يومياً في فبراير بعد أكثر من خمس سنوات من التوقف. وكانت الكويت تضخّ حوالي 100 ألف برميل يومياً قبل إغلاق الحقل تزامناً مع خفض الإمدادات في يونيو. وقبل عام 2015، كان حقل الوفرة البري ينتج حوالي 200 ألف برميل يومياً من الخام الثقيل جداً. ووسط حاجة المصافي في آسيا بصفة خاصة إلى درجات النفط الخام الثقيلة - بالتالي استعدادها لدفع أسعار أعلى من الدرجات الخفيفة - فإن إعادة تشغيل خطوط الإنتاج في المنطقة المحايدة يعتبر مجدياً من الناحية الاقتصادية في هذه المرحلة.ضغط كبير
في ضوء الارتفاع الأخير لأسعار النفط قمنا بتعديل توقعاتنا لأسعار مزيج برنت ليصل في المتوسط إلى 40 دولاراً للبرميل مقابل توقعنا السابق والبالغ 35 دولاراً للبرميل. وعلى الرغم من ذلك، فالوضع المالي للحكومة لايزال تحت ضغط كبير. وقد يؤدي التأثير المزدوج لانخفاض أسعار النفط وخفض الإنتاج، بالإضافة إلى تداعيات جائحة "كوفيدـ19" على الاقتصاد إلى تقليل عائدات النفط إلى أدنى مستوياتها خلال 16 عاماً، في حين سيظل الإنفاق الحكومي مرتفعاً نسبياً، وإن كان بمعدل أقل من توقعات الموازنة نتيجة لجهود كبح الإنفاق. وعلى الرغم من أن البيانات الرسمية للعام الماضي (السنة المالية 2019/2020) لم يتم نشرها بعد، فقد يكون العجز قد وصل إلى 3.7 مليارات دينار، أو ما يعادل 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة. كما استنفد صندوق الاحتياطي العام معظم أصوله السائلة، ولا يمكن للحكومة إصدار أدوات دين جديدة في انتظار إقرار البرلمان لقانون الدين العام الجديد. وهناك بعض الخيارات الأخرى التي تتم مناقشتها للمساعدة في تمويل العجز وتشمل الحصول على القروض من صندوق الأجيال القادمة ووقف استقطاع حصص الصندوق مؤقتاً.ويشير السيناريو الأساسي إلى أنه حتى مع التدابير الصارمة للحد من الإنفاق في السنة المالية 2020/2021 (التي يمكن الإعلان عنها عند الانتهاء من الموازنة العامة قريباً) لن تكون كافية لإعادة الوضع المالي إلى مسار مستدام على المدى القريب، إذ يتوقع أن يصل العجز المالي إلى 10.3 مليارات دينار، أو ما يعادل 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (11.3 مليار دينار، أو نسبة 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة) مع الأخذ في الاعتبار تدابير خفض الإنفاق بقيمة 1.5 مليار دينار أو بنسبة 7 في المئة.استمرار ارتفاع العجز المالي
تشمل تدابير خفض الانفاق تأثير تكلفة شراء الوقود، إلى جانب إمكانية خفض النفقات الرأسمالية أيضاً (بما في ذلك التأخيرات المرتبطة بإجراءات الحظر) وتدابير التوفير الأخرى. وهناك سيناريوهان آخران بناءً على افتراضات بديلة. ففي حالة بلوغ متوسط سعر النفط 50 دولاراً خلال العام الحالي وتمكن الحكومة من تعزيز جهودها لتقليص النفقات بقيمة ثلاثة مليارات دينار، فسيتم خفض العجز إلى ستة مليارات دينار، أو ما يعادل 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، قبل استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة. وفي حال وصول سعر برميل النفط إلى متوسط 30 دولاراً للبرميل، فإن العجز سيصل إلى حوالي 14 مليار دينار، أو 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حال عدم اتخاذ إي إجراءات لخفض الإنفاق قبل استقطاع حصة صندوق الأجيال القادمة.وتعكس تلك السيناريوهات الشكوك التي تحيط بتوقعات أسعار النفط ومستوى الإنفاق الحكومي، والتي سيكون لنتائجها تأثير شديد على متطلبات التمويل الحكومية في هذا العام وفي الفترات المقبلة. لكن حتى لو ارتفعت أسعار النفط وتم إقرار قانون الدين العام الجديد، لا تزال هناك حاجة لبرنامج إصلاح مالي طموح لاستقرار أوضاع المالية العامة على المدى الطويل.وقد تضطر الحكومة إلى تطبيق بعض الإجراءات مثل خفض الدعوم، وتطبيق إجراءات حذرة فيما يخص فاتورة أجور القطاع العام، إضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة الإيرادات بما في ذلك تطبيق الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة، وربما يتطلب الأمر استحداث قواعد أو أهداف متوسطة الأجل لمعالجة الإنفاق و/ أو العجز.