هناك ضجة دولية حول إضفاء الطابع السياسي على العقوبات الاقتصادية والمساعدات الأميركية في سورية، لكن ليست هناك استراتيجية أميركية شاملة، وثمة تساؤل يثار بشأن جوهر سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لسورية، بخلاف العقوبات.

ويقول المحلل العسكري السوري كمال علام، إن التصريحات الأميركية المتناقضة قد تزايدت، كما تذبذبت الولايات المتحدة ما بين المطالبة في أول الأمر بعزل بشار الأسد والإعلان في وقت لاحق أنها لا تسعى إلى تغيير النظام. ومع ذلك، أعلنت واشنطن في شهر يونيو الماضي عن "قانون قيصر" الجديد لحماية المدنيين في سورية كوسيلة لتحقيق تحول سياسي.

Ad

ويستهدف القانون كبار المسؤولين ورجال الأعمال السوريين وكذلك أي أطراف ثالثة تريد ممارسة أي نشاط تجارى مع سورية. وهو يهدف لردع الصين، وغيرها من الدول من أن تصبح المنقذ الاقتصادي لسورية.

ويرى علام في تقرير نشرته مجلة "ذا ناشونال انتريست" أن "قانون قيصر" يعتبر برنامج العقوبات الأكثر شمولاً في التاريخ، وسيكون له تأثير اقتصادي كبير على سورية وعلى الدول المجاورة لها، خصوصاً لبنان.

ويقول علام، إنه لا يمكن القول إن الجميع مقتنعون بـ "قانون قيصر"؛ فحلفاء أميركا في أوروبا والشرق الأوسط تساورهم الشكوك إزاء الحكمة من وراء هذا القانون.

وترى دول مثل مصر، والإمارات العربية المتحدة، واليونان أن الحكمة تكمن أكثر في دعم سورية كسياج واقٍ ضد العدوان التركي في البحر المتوسط.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة دراسة سياستها الخاصة بسورية وأن تدرك الأولويات المختلفة لحلفائها، وإلا فقد تراهم ينفصلون عن سياستها.

وفي حقيقة الأمر، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبنى سياسة واقعية في سورية تعكس السياسات التي نفذها مسؤولون بارزون خلال عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان عندما تفاوضوا معها.

وبينما يعتقد ممثل الولايات المتحدة الخاص لدى سورية جيمس جيفري والمبعوث لخاص لسورية جويل ريبورن أن بإمكانهما عزل سورية من خلال "قانون قيصر"، من الواضح أنهما تجاهلا الأولويات المتغيرة في المنطقة.

وليس سراً أن جيفري يدعم تركيا ويظهر تعاطفه معها علانية، في وجه تيار متصاعد من الغضب معارض لتركيا ولتصرفاتها في سورية، وليبيا، والبحر المتوسط، والقرن الإفريقي، حيث تعارض فرنسا، واليونان، ومصر، والإمارات العربية المتحدة التصرفات التركية، وتعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تركيا الآن تهديداً أكبر من إيران بالنسبة لهما.

وبالمثل، فإن روسيا والصين تتحدان للاعتراض على قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بسورية، وتسخران في الوقت نفسه من "قانون قيصر" بالمضي قدماً في خططهما الاقتصادية الخاصة بسورية.

ومع تزايد عداء الولايات المتحدة تجاه الصين بعد جائحة كورونا، تبذل بكين ما بوسعها لتحدى أهداف الولايات المتحدة في سورية.

وهناك خطة روسية صينية مشتركة خاصة بسورية يتم إعدادها منذ عام 2018 وسوف يتم تسريعها بعد الإعلان عن "قانون قيصر".

كما أن الدول الأوروبية تظهر استعداداً للانفصال عن موقف الولايات المتحدة بالنسبة لسورية.

ويقول علام، إنه يمكن تعلم الكثير من دبلوماسية الدبلوماسي الأميركي المخضرم هينري كيسنجر تجاه سورية. ففي كتاب" كيسنجر المفاوض" يشير مؤلفه جيمس سبينيوس، إلى أن الدرس الواضح الذي يمكن استخلاصه هو أن كيسنجر كان يعتقد أنه فقط من خلال المفاوضات تستطيع الولايات المتحدة تحقيق تقدم بالنسبة لسورية. كما أن موشيه ماعوز، في كتاب" أبو الهول دمشق" اقتبس أسلوب كيسنجر فيما يتعلق بالتفاوض مع دمشق.

ويزعم علام أن سورية نجحت في التخلص من جميع المصائب الكبرى التي واجهتها منطقة الشام والخليج خلال الخمسين عاماً الماضية رغم أنها كانت دائماً في الجانب المعارض لواشنطن التي اضطرت، على مضض، لإفساح الطريق لدمشق في لبنان، وحتى أرغمت الإسرائيليين على الانسحاب في عام 2000.

كما تعين على الولايات المتحدة الاعتراف بأهمية سورية فيما يتعلق بالتفاوض في أوسلو وكامب ديفيد.

ويشير كتاب عن الدبلوماسية مع سورية في عهد ريغان، يحمل عنوان "ملعون صانع السلام"، أنه كان كل تأكيد الولايات المتحدة على الدبلوماسية الخاصة بسورية هو حقيقة أنه بينما كان رونالد ريغان يمقت التحدث مع الأسد "الأب"، مثل كيسنجر قبله، لم يكن أمامه خيار آخر سوى حسم القضايا العالقة بالتحدث معه، وليس عزله.

وفي ختام تقريره، يقول علام إن كيسنجر يرى أنه من الأفضل التحدث مع دمشق، كما يرى ذلك صانعو سياسات الأمن القومي الأميركيون البارزون الذين لديهم تجربة فعلية في التحدث مع سورية طوال الأربعين عاماً الماضية، أن قانون قيصر لن يؤلم الأسد، لكنه سيؤلم الشعب السوري، وأنه لا يمكن أن يكتب له النجاح بصورة مؤكدة في ضوء الأحداث الأخرى التي تشهدها المنطقة، وتستفيد منها سورية.