إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران

نشر في 23-07-2020
آخر تحديث 23-07-2020 | 00:00
أعتقد عن يقين أن خطة العمل الشاملة المشتركة أصبحت مكونا رئيسا في بنية منع الانتشار النووي العالمية، ولهذا السبب
ما زلت أدعو جميع الأطراف إلى مواصلة الالتزام بتنفيذها بالكامل، وعلى إيران من جانبها أن تعود إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها النووية؛ لكنها بحاجة لجني الفوائد الاقتصادية المنصوص عليها في الاتفاق.
 بروجيكت سنديكيت قبل خمس سنوات في فيينا، وافقت مجموعة (الصين، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الروسي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، إلى جانب ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية وإيران) على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، واحتفالا بالذكرى السنوية الخامسة لهذه المناسبة، ينبغي لنا أن نعترف بحقيقة بسيطة: في غياب هذا الاتفاق، كانت إيران ستتمكن من إنتاج الأسلحة النووية الآن، وكان ذلك سيضيف مصدرا آخر لعدم الاستقرار في منطقة متقلبة سهلة الاشتعال. اليوم، تخضع خطة العمل الشاملة المشتركة لضغوط عظيمة على جبهات متعددة، وأنا على يقين من أن العمل على الحفاظ على هذه الخطة ليس ضروريا فحسب، بل عاجلا أيضا، لسببين على الأقل:

أولا، استغرق الأمر أكثر من 12 عاما لتجاوز الخلافات بين المجتمع الدولي وإيران وإبرام صفقة، وإذا فُـقِـدَت خطة العمل الشاملة المشتركة، فلن نجد بديلا شاملا أو فعالا آخر في انتظارنا عند أقرب منعطف. ترجع مخاوف المجتمع الدولي بشأن برنامج إيران النووي سنوات إلى الوراء، فقد بدأت المناقشات لوضع الأساس لحل تفاوضي في عام 2003 في إطار مبادرة وزراء الخارجية الفرنسي والألماني والبريطاني، وسرعان ما انضم إليهم ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية خافيير سولانا، الذي كان وخليفتيه كاثرين أشتون وفيديريكا موغيريني- وكانوا جميعا مدعومين من الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية- حريصين دوما على إبقاء الباب مفتوحا للحل الدبلوماسي، وبعد العديد من التقلبات تحولت خطة العمل الشاملة المشتركة في نهاية المطاف إلى حقيقة واقعة.

وما كان الاتفاق ليصبح في حكم الممكن لولا المثابرة الدبلوماسية، وقد تطلب الأمر المشاركة الكاملة ليس من جانب الولايات المتحدة فقط، بل أيضا من روسيا والصين، وإيران بطبيعة الحال. كان الاتفاق النهائي صلبا متماسكا، يتألف من أكثر من 100 صفحة، فضلا عن العديد من الملحقات، وهو يحدد كل التفاصيل لمعاوضة واضحة: تلتزم إيران بقيود صارمة على برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة بالبرنامج النووي. الواقع أن خطة العمل الشاملة المشتركة مكرسة في القانون الدولي من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2231 (الذي يحتاج إلى التنفيذ الكامل)، وهي تشكل مثالا واضحا لما يمكن تحقيقه من خلال الدبلوماسية الأوروبية والتعددية الفعّـالة في إطار النظام الدولي القائم على القواعد، لكن العملية التي أفضت إليها كانت مطولة وصعبة، على النحو الذي يستبعد أي فرصة أخرى للتوصل إلى اتفاق.

ثانيا، لا تمثل خطة العمل الشاملة المشتركة مجرد نجاح رمزي، فقد أوفت بوعودها وأثبتت فعاليتها، ونظرا للمستوى غير المسبوق الذي وفرته خطة العمل الشاملة المشتركة للهيئة الدولية للطاقة الذرية من القدرة على الوصول، فقد تمكنت الهيئة من التأكيد في 15 من التقارير المتعاقبة في الفترة من يناير 2016 إلى يونيو 2019 أن إيران أوفت بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق.

وعلى هذا فقد رفعت أوروبا وغيرها من الشركاء العقوبات، على النحو المحدد في الاتفاق، وكانت العزلة الدولية المفروضة على إيران تقترب من نهايتها، مما مهد الطريق لاستعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية الطبيعية مع بقية العالم، ولكن في مايو 2018، قررت الولايات المتحدة الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات في ملاحقة استراتيجية جديدة تقوم على "فرض أقصى الضغوط". على الرغم من أن إعادة فرض العقوبات الأميركية خلفت تأثيرات سلبية واضحة على اقتصاد إيران وشعبها، فإن إيران واصلت التزامها 14 شهرا، ولكنها الآن عادت مرة أخرى إلى تكديس مستويات مقلقة من اليورانيوم المخصب واكتساب خبرات نووية جديدة، ويزداد تآكل خطة العمل الشاملة المشتركة، وتعود مخاوف من الماضي إلى الظهور على السطح. في يناير أعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة رسميا عن مخاوفها بشأن تجدد أنشطة التخصيب الإيرانية، وحثت إيران على العودة إلى الامتثال الكامل، وعلى نحو مماثل أعربت إيران عن مخاوفها، محتجة بأنها لم تحصل على الفوائد الاقتصادية المتوقعة من رفع العقوبات.

بصفتي المنسق الحالي لخطة العمل الشاملة المشتركة، سأستمر في العمل مع جميع الأطراف المتبقية في الاتفاق، وكذا مع المجتمع الدولي بالكامل، وسبذل قصارى جهدنا للحفاظ على ما حققناه قبل خمس سنوات، وضمان بقاء الاتفاق فَـعّالا.

من الأهمية بمكان أن نتذكر أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال خاضعا للفحص الدقيق، مع التحقق من طبيعته السلمية على نحو مستمر، وبفضل نظام التفتيش الذي وضعته الهيئة الدولية للطاقة الذرية، ما زلنا نتعرف على قدر كبير من الحقائق حول البرنامج النووي الإيراني، حتى في ظل الظروف الحالية، ولكن إذا خسرنا الاتفاق، فسنفقد هذه المكتسبات وننتكس عقدين من الزمن. أعتقد عن يقين أن خطة العمل الشاملة المشتركة أصبحت مكونا رئيسيا في بنية منع الانتشار النووي العالمية، ولهذا السبب ما زلت أدعو جميع الأطراف إلى مواصلة الالتزام بتنفيذها بالكامل، وعلى إيران من جانبها أن تعود إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها النووية؛ لكنها تحتاج أيضا إلى أن تكون قادرة على جني الفوائد الاقتصادية المنصوص عليها في الاتفاق، ولأننا وضعنا بالفعل التدابير اللازمة لحماية شركاتنا من العقوبات الأميركية الخارجة عن التشريعات الوطنية، فنحن في أوروبا قادرون على بذل المزيد من الجهد لتلبية التوقعات الإيرانية بشأن التجارة المشروعة.

سوف يكثف الاتحاد الأوروبي جهوده لبناء الجسور وتضييق الفجوات بين جميع الأطراف المعنية، وأنا مقتنع بأن خطة العمل الشاملة المشتركة، إذا تمكنا من الحفاظ عليها وضمان تنفيذها بالكامل، من الممكن أن تعمل كنقطة انطلاق نحو معالجة مخاوف أخرى مشتركة، بما في ذلك تلك المرتبطة بالأمن الإقليمي.

نحن في احتياج إلى العودة إلى ديناميكية أكثر إيجابية، وعندما يحين الأوان، يجب أن نكون مستعدين للبناء على الاتفاق، فالاتحاد الأوروبي على استعداد للقيام بذلك، لكن الخطوة الأولى تتمثل في حماية الاتفاق النووي مع إيران في كامل هيئته، وامتثال جميع الأطراف لالتزاماتها بشكل كامل.

* جوزيب بوريل

* ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

لا بد أن نتذكر أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال خاضعاً للفحص الدقيق مع التحقق من طبيعته السلمية باستمرار
back to top