للمرة الأولى في نحو عقدين من الزمان، تتأهب شركات النفط الغربية الكبرى أو ما يصطلح على تسميتها بالخمسة الكبار، لتسجيل خسائر فصلية في الربع الثاني من العام الجاري، مع تصاعد تبعات جائحة كورونا، واختلال العوامل الفنية للسوق، والمتعلقة بالعرض والطلب في سوق يشوبه الاضطراب بالفعل مع حرب ضروس على الحصة السوقية بالكاد وضعت أوزارها في أبريل الماضي.وبعد أن كانت تلك الشركات في يوم ما آلات لصناعة النقود، تحولت للاعتماد على الديون أكثر من أي وقت مضى، ما تسبب في نهاية المطاف بالضغط على توزيعاتها النقدية المعروفة بالسخاء، مع توجه شركة عملاقة على غرار "BP" البريطانية لخفض توزيعاتها للمرة الأولى في نحو عقد من الزمان، وتحديدا منذ كارثة التسرب النفطي بالمياه العميقة في خليج المكسيك، والذي كبد الشركة خسائر تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار.
وتسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط في الربع الثاني من العام الجاري بنحو 30 مليون برميل يوميا، أو ثلث الطلب العالمي على الخام، اعتبارا من أبريل الماضي، في دخول تلك الشركات في دوامة من انحسار أعمالها خلال الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو الماضي، والتي تزامنت أيضا مع أسعار هي الأسوأ للنفط في عقود وانهيار هوامش التكرير لملايين من براميل النفط غير المبيعة في الأسواق، حسبما ذكرت وكالة بلومبرغ.ويقول نوح باريت، محلل أسواق الطاقة لدى "جينوس هندرسون"، التي تدير أصولا في القطاع بنحو 294 مليار دولار، للوكالة، "لم يكن بمقدور أي من تلك الشركات الاختباء من العاصفة بأي حال من الأحوال... لقد كان الأمر فصلا مخيفا، لكن هذا انتهى الآن، ويتعلق الأمر بكيفية تعافي تلك الشركات".
التوزيعات في مهب الريح
وبالنسبة لشركة عملاقة في حجم "BP" البريطانية فإن المحللين في بنوك الاستثمار العالمية على غرار "Goldman Sachs" و"Citigroup" يتوقعون اقتطاعا من توزيعات الأرباح بنسبة تتراوح بين 30 و65 في المئة، مما يشكل تحولا تاريخيا في سياسة الشركة التي كانت يوما ما حجر زاوية للتوزيعات النقدية على مؤشر FTSE 100 في بورصة لندن لعقود مضت.ومن شأن خفض التوزيعات أن يسمح للشركة بتخفيض مديونيتها وتوفير السيولة اللازمة للمدير التنفيذي برنارد لوني لتنفيذ استراتيجيته الجديدة بجعل كل المنتجات التي تبيعها الشركة لعملائها خالية من الكربون.وقبل الشركة البريطانية العملاقة، اتخذت شركات أخرى خطوة خفض التوزيعات على غرار Equinor النرويجية وRoyal Dutch Shell، والتي خفضت توزيعاتها النقدية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، في محاولة لتوفير السيولة اللازمة لمواجهة تبعات الجائحة.ولشركات أخرى على غرار Exxon Mobil وChevron Corp وTotal الفرنسية فإن خفض التوزيعات يبقى غير محتمل في وقت تشير توقعات المحللين إلى أن اتجاه تلك الشركات نحو اتخاذ تلك الخطوة سيسمح لهم بالتمتع بقوائم مالية قوية، في ظل ضبابية المشهد مع استمرار انتشار الجائحة على نطاق واسع.كومة من الديون
وتعاني شركات النفط الغربية الكبرى ارتفاعا مطردا في الاعتماد على الدين في خضم الجائحة، إذ تشير تقديرات بلومبرغ إلى اقتراض تلك الشركات نحو 80 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، مما سمح بتوفير نحو 194 مليار دولار من السيولة في فترة تتسم بالخسائر الحادة، إضافة إلى عمليات سداد الديون المجدولة للعامين الجاري والمقبل.وأشار تقرير صادر عن بنك الاستثمار الأميركي Jefferies Financial إلى أن ارتفاع معدلات الدين لرأس المال لدى تلك الشركات سيكون بمنزلة مفتاح لزيادة مديونيتها خلال الفترة المقبلة.وأضاف التقرير أن مديونية شركات النفط الأوروبية العملاقة ستبقى أكبر من نظيراتها بالولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، لكن خفض التوزيعات من شأنه أن يخفف حدة تلك الديون على القوائم المالية للشركات في أوروبا.وبالرغم من معدلات الديون المنخفضة خلال تلك الأزمة، فإن معدلات استدانة شركة عملاقة أميركية على غرار Exxon تبقى في ارتفاع مطرد بحسب المحللين لدى بنك الاستثمار العالمي Morgan Stanley.وارتفعت مديونية Exxon بنحو 8.8 مليارات دولار الربع الماضي، في وقت ينتظر أن ترتفع ديون الشركة الى نحو 78 مليارا بنهاية العام المقبل.