سلمان زيمان رحل تاركاً إرثاً فنياً يقل نظيره
توفي الفنان البحريني سلمان زيمان، أمس، بعد صراع مع مرض اللوكيميا، تاركاً إرثاً فنياً متنوعاً يقل نظيره بين الفنانين، لاسيما أنه غنى معظم أنواع الغناء العاطفي والطربي والعدني، كما كان مهموماً بقضايا وطنه العربي، فغنى لفلسطين وأطفالها ورجالها، مسلطاً الضوء على تضحيات شعب نال التنكيل والتعذيب والتشرد على يد محتل آثم.
رحل "أبوسلام" الذي يعد رمزاً فنياً كبيراً، وغيابه سيترك فراغاً كبيراً في المشهد الغنائي العربي عموماً والخليجي خصوصا، لاسيما أنه لم يكن فقط يمتلك حنجرة ذهبية ومطواعة تنسجم مع أي شكل غنائي يؤديه، بل كان عازفاً من الطراز الأول، وعلاوة على ذلك كان مثقفاً فنياً، إضافة إلى أنه اكتسب من معترك الحياة الكثير من الخبرة والحنكة، فكان الهادئ المتحكم في أعصابه، لكنه إن تحدث أصاب وإن غنى أطرب وإن كتب أجاد وإن عزف أتقن.
رحل "أبوسلام" الذي يعد رمزاً فنياً كبيراً، وغيابه سيترك فراغاً كبيراً في المشهد الغنائي العربي عموماً والخليجي خصوصا، لاسيما أنه لم يكن فقط يمتلك حنجرة ذهبية ومطواعة تنسجم مع أي شكل غنائي يؤديه، بل كان عازفاً من الطراز الأول، وعلاوة على ذلك كان مثقفاً فنياً، إضافة إلى أنه اكتسب من معترك الحياة الكثير من الخبرة والحنكة، فكان الهادئ المتحكم في أعصابه، لكنه إن تحدث أصاب وإن غنى أطرب وإن كتب أجاد وإن عزف أتقن.
ولد الفنان سلمان زيمان في 14 أغسطس 1954، وترعرع في حي شعبي بالمحرق، في فريج علي راشد فخرو بالمحرق الجنوبي الملاصق لفريج بن هندي، وأطلق على هذا الفريج بعد ذلك فريج الحريجة.قدّم الكثير من الأغنيات المشهورة، وغنى لمشاهير الشعراء العرب. ومن أشهر أغنياته "يا مقلة عيني" و"هيفاء" و"الطائر الهيمان" و"أم الجدائل" و"أبو الفعايل" و«ذكريات/ ولي في ربوع الشمال»، وأسهم الراحل في تأسيس فرقة أجراس، التي حققت انتشارا في منطقة الخليج والشام وفلسطين المحتلة، حيث انبرت في تقديم جملة من الأعمال ذات القيمة والبصمة الفنية.
علاقته بالبحر
كان الراحل عاشقاً للبحر وقريبا منه في البيت، إضافة إلى أنه يسكن وجدانه، ففي طفولته لم يكن أمامه غير البحر لتمضية أوقات لطيفة ولعب كرة القدم، ومشاهدة الأفلام الهندية، حاله كحال أي طفل في تلك الفترة، لذلك كان الراحل كالبحر هادئ الطبع ثائراً في الغناء، ويكمن في جوفه الصوت الهادر، والعمق الغزير من حيث الثقافة والمعرفة.الود والوئام
كان الراحل ودوداً محباً للجميع، مسالماً بطبعه، لا يحمل الضغائن والحقد والكراهية في نفسه، بل شفافاً ما في جوفه هو الظاهر للعلن، فكان يقدس الصداقة، وأخذ تلك الصفات من بيت العائلة، الذي ترعرع فيه، حيث البيت العود، فكان البيت يضم أجيالا مختلفة كالجد والجدة والأعمام وكذلك الأحفاد، فكان جو الود والوئام هو الذي يسود البيت.علاقة طيبة
وحول علاقة الفنان سلمان زيمان بوالده، فكانت وطيدة جداً، حيث كان والده -يرحمه الله- يشارك أولاده في كل شيء، فغرس التآزر والتواصل والديمقراطية في نفوس أولاده، لم يكن الأب دكتاتورياً، بل لا يفعل أي أمر إلا بعد استشارة أولاده، فكان يحترم اختياراتهم، فلم يمانع دخول سلمان مجال الغناء، وكذلك عندما أراد أحد أولاده دراسة الموسيقى لم يعارض رغبته.الهندسة الميكانيكية
والاسم الكامل للراحل: سلمان دعيج خليفة بن زيمان. استكمل تعليمه الثانوي في مدارس البحرين، ثم دخل مدرسة المنامة الصناعية وتخصص فيها آلات وبرادة (مخرطة)، وتخرج عام 1973، ثم عمل عاماً كرسام صناعي في وزارة الأشغال.وفي عام 1974م، توجه إلى بغداد لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة التكنولوجيا، ثم عاد بعد تخرجه إلى البحرين، واشتغل في بناء وإصلاح السفن مدة 7 سنوات.وبعد ذلك، قرر المجيء إلى الكويت، حيث بدأت مسيرته الفنية، وبقي فيها حتى 1987م، عاد بعد ذلك إلى البحرين وبدأ في التدريس الموسيقي، الذي استمر فيه 20 عاماً، وفي 2010 تقاعد عن العمل، وتفرغ للغناء.وارتبط الراحل من خارج الوسط الفني، ولديه 3 من الأبناء، هم: سلام، وأيمن، ودعيج.منزلة خاصة
وللكويت منزلة خاصة لدى النجم البحريني الراحل، فقد أهدى لها أغنية "خيروني، وخيرتي الكويت"، من تأليفه وألحانه وغنائه، بمناسبة عيدَي الاستقلال والتحرير. ولاقت الأغنية، عقب إذاعتها للمرة الأولى، صدى واسعا، وإشادات كبيرة. وتقول كلمات الأغنية: "خيروني، وخيرتي الكويت/ لقيت عندهم رفقة وصداقة وبيت/ الصدر واسع عندهم/ والوفا والجود دربهم/ وأنا سلمان بظلهم/ من لي بعد أهلي".وهذه ليست الأغنية الوحيدة، فكان له أغنية أثناء الغزو العراقي بعنوان "أمي قالت". وكان الراحل يتغنى بقيمة ومكانة الكويت في قلبه وروحه، لاسيما أنها ساهمت كثيرا في تكوين وجدانه الموسيقي عبر مطربيها الكبار، منهم: عوض الدوخي، مصطفى أحمد، غريد الشاطئ، شادي الخليج، وحسين جاسم، وغيرهم.فلسطين في أغانينا
وفي التزامه بقضايا وطنه العربي الكبير، قدَّم الراحل بحثاً بعنوان "فلسطين في أغانينا"، يسلط الضوء على الأبعاد الإنسانية والفنية والاجتماعية والسياسية للأغنية التي اتخذت من فلسطين أرضاً وشعباً، موضعاً لها، لتؤكد نفسها وسيلة من وسائل المقاومة والصمود.ويرصد من خلال البحث التطور المدني والحضاري للمجتمع الفلسطيني، الذي كان رائداً قبل تقسيم فلسطين عام 1948، كذلك يوضح أن الفنين الغنائي والموسيقي في المجتمع الفلسطيني كانا بمستوى متقدِّم ومتفاعل مع ما يبدعه الفنانون في المجتمعات الأخرى من حوله، في مصر ولبنان وسورية وغيرها، في هذين المجالين.ويلقي زيمان الضوء على أهم رواد الغناء الفلسطينيين في تلك المرحلة: عبدالسلام الأقرع، حسين النشاشيبي، إلياس شهلا، جوليا السلطي، رياض البندك، روحي خماش، أمينة المعماري، وتري الزائر، حنا فاشة وغيرهم، فضلاً عن فنانين أبدعوا في غناء التراث الشعبي، مثل: أبوجاسر أمريني، أبوحسين العبليني، أبوالحكم البرقيني، أبوسعود الأسدي وغيرهم.ويشير إلى أن الأغنية الفلسطينية تتضمَّن بياناً وموقفاً إنسانياً وسياسياً يعلنه الأفراد والأحزاب، وتحمل فلسفة ومواقف منتجها ووجهة نظره، بل أساليب الحلول التي يراها ويتبناها لمقاومة العدو وتحقيق الانتصار. لذلك، نلاحظ تنوع نصوص هذا الشكل من الأغاني بقدر تنوع الفصائل الفلسطينية ومواقفها السياسية، وفلسفة كل منها، وأيديولوجيتها، فكل منها يملك صانعين ومحترفين يبدعون له، خصوصاً الأغاني التي تطير بفلسفته عبر الأثير إلى شتى الآذان، والأغاني الخاصة التي تردد في مهرجانات كل فصيل، وتمثله بالمناسبات العامة والمشتركة.«ذكريات/ ولي في ربوع الشمال»
من أجمل الأغنيات التي قدمها الفنان سلمان زيمان كانت أغنية "ذكريات/ ولي في ربوع الشمال"، وهي تحمل اسمين؛ الأول "ذكريات" وهو الاسم الأصلي، في حين اشتهرت في الكويت باسم "ولي في ربوع الشمال"، وعُرفت فيما بعد بهذا الاسم، وهي قصيدة للشاعر الفلسطيني توفيق زَيّاد، وتقول كلماتها:ولي في ربوع الشمال غرام حَيِيٌّ وزنبقة طاهرةتعيش على حلمها باللقاءعلى دفء أمنيّةٍ عاطرةعلى وجهها سمة الأبرياءوفي خدها حمرةٌ آسرةوفي رأسها فِكَرُ العاشقينوفي عينها فرحة حائرةهي الوحي لي وعروس الخيالوملهمةٌ خَطْرتي الشاعرةتذكرت والشوق يغلبنيلقاءً لنا في ربى الناصرةيهز كياني دبيبُ الهوىوتأخذني جنة غامرةفأعطف بين يديّ صباهاوأعتصر الشفة الناضرةفياله ثغراً تنعَّم حتىلتجرحه النسمة العابرةوياله فرعاً كأن الربيعتفتح في روضة عامرةسويعاتُ حبٍّ أحنُّ إليهاوقد عشتها نشوة ساحرةستحيا أفاويقها في دميويملأ بخورها الذاكرةمن أقوال الراحل الكبير
من خلال أقوال الراحل، يكتشف القارئ مدى بساطة هذا النجم الكبير، فلا عنجهية في الردود، ولا ترميز غير مقبول، بل حديثه يتسم بالصراحة والشفافية والذوق الرفيع، ومن أبرز أقواله:• أداء المطربين الشباب لأغنياتي ظاهرة صحية وبمثابة رسالة بأن أعمالي قيّمة وفيها معنى وفعل.• لا مانع لدي في أن يؤدي أي فنان أغنياتي شرط أن تكون طريقة الأداء مناسبة والكلمات صحيحة. للأسف، أدى البعض هذه الأغاني بمفردات خاطئة قلبت المعنى أحياناً.• يجب أن تكون الأغاني ملكية عامة للناس، والفنان الحقيقي هو من يرتقي بفنه إلى ما يليق بمستوى الجمهور.• أنا قارئ جيد لأشعار توفيق زياد وتعجبني شخصيته كشاعر وتضحياته كمناضل في سبيل القضية الفلسطينية.• أفضل المضمون الذي أشعر به ويمثلني، سواء كان فصيحاً أو عامياً.• تأثرت بالغناء العدني واليمني، الذي يتميّز بأن الكلام العامي فيه أقرب إلى الفصحى.• ألبي دعوات مؤسسات المجتمع المدني، وأشارك، من دون تردد، في الأعمال التطوعية والخيرية.• من الأشعار المفضلة لدي قصيدة للشاعرة فتحية عجلان من ديوانها الشعبي وهي مناجاة للحبيب البعيد مكتوبة بالعامية: "لقطع بحر سباح يمكن ألاقيكم، يا ربعتي وش جرى ماسمع غناويكم، متكدر والقلب يبكي ويحجيكم، لاغوص كل النسم واطفح أناجيكم، يا طيور كل الشجر خضرا تناديكم، تزهر فرح والطفل ينطر غناويكم".• كتبت أغنية "هيفاء"، وحصدت رد فعل إيجابي، كما أن البعض لديه هذا الاسم ضمن أفراد العائلة، وقد حدثني شخص كويتي فقد ابنته هيفاء، أنه تأثر كثيراً بالأغنية، فكانت تلك خطوة جريئة ومهمة في مشواري الفني.
كان يرى أن الأغنية الفلسطينية تتضمَّن بياناً وموقفاً إنسانياً وسياسياً يعلنه الأفراد والأحزاب
للكويت منزلة خاصة لدى النجم البحريني الراحل فغنى لها «خيروني وخيرتي الكويت» و«أمي قالت»
للكويت منزلة خاصة لدى النجم البحريني الراحل فغنى لها «خيروني وخيرتي الكويت» و«أمي قالت»