على وقع تبادل الاتهامات مع واشنطن، أخلت بكين بعثتها الدبلوماسية في مدينة هيوستن تنفيذاً لقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أن تأمر بإغلاق القنصليّة الأميركيّة في مدينة شينغدو، التي فتحت في 1985، وتغطي كلّ جنوب غرب الصين، خصوصاً منطقة التيبت ذاتية الحكم.وفي أعقاب وابل من التحذيرات من مسؤولين أميركيّين كبار من "طغيان" الحزب الشيوعي الحاكم، قالت وزارة الخارجيّة الصينية أمس الأول، إنّ قرار إغلاق القنصليّة الأميركيّة بشينغدو يشكّل "ردّاً مشروعاً وضروريّاً على الإجراءات الأميركية غير المنطقيّة، والوضع الحالي للعلاقات هو ما لا ترغب الصين في رؤيته، والولايات المتّحدة مسؤولة عن هذا كلّه".
ووسط إجراءات أمنية مشددة، غادر موظفو القنصلية الأميركية مدينة شينغدو الكبيرة، التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، وقام عامل على رافعة صغيرة بنزع لوحة تحمل اسمها من المبنى ونقلت ثلاث شاحنات الأمتعة والأوراق الموجودة بها إلى خارجه.ورغم أن بعثة شينغدو، هي المكان الذي لجأ إليه المسؤول الصيني وانغ ليجيون عام 2012 هرباً من رئيسه المتنفذ والمسؤول عن مدينة شونغكينغ المجاورة آنذاك بو تشيلاي، فإن قرار الصين استهدافها دون غيرها من بعثات أميركية أكثر أهمّية، يُشير إلى أنّها تحاول تجنّب تقويض العلاقات تماماً.
قنصلية هيوستن
مع انقضاء المهلة النهائية المحددة بـ 72 ساعة، غادر آخر الدبلوماسيين الصينيين قنصليتهم في هيوستن، أمس الأول، حاملين أكياساً كبيرة من الوثائق وغيرها على متن شاحنات تحت أنظار عناصر من الشرطة الذين فتحوا لاحقاً مبناها المغلق بالقوة وحطموا بابها الخلفي.وارتفع منسوب التوتر بين القوتين بشأن ملفات عدة بينها التجارة وطريقة تعامل بكين مع تفشي فيروس كورونا المستجد وقانون هونغ هونغ الجديد للأمن القومي.وفي وقت سابق، وصف وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، الذي يقود الهجوم الجديد لترامب على الصين في إطار استراتيجيّة الجمهوريّين لكسب انتخابات الرئاسية المقرّرة في نوفمبر، القنصليّة الصينية في هيوستن بأنّها "وكر للجواسيس ومركز لسرقة الملكيّة الفكريّة"، معتبراً أن الصين دولة "تزداد استبداداً في الداخل، وعدوانيّة في عدائها للحريّة في كلّ مكان آخر، وعلى العالم الحرّ أن ينتصر على الطغيان الجديد ممثلاً بآيديولوجية الحزب الشيوعي".الحزب الشيوعي
وفي اتهام وصفته الصين بـ"الافتراء الخبيث"، أكد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ماركو روبيو، أن قنصليّة هيوستن تقع "في صلب شبكة واسعة للتجسّس ولعمليّات نفوذ الحزب الشيوعي الصيني في الولايات المتّحدة".وبعد اتهام وزارة العدل لصينيَّيْن اثنين بقرصنة مئات الشركات والسعي إلى سرقة أبحاث حول لقاح كورونا ولأربعة باحثين صينيّين أنّهم كذبوا بشأن علاقاتهم بجيش التحرير الشعبي وكشفه لعميل سنغافوريّ، أكّد مسؤول كبير في وزارة الخارجيّة الأميركيّة أنّ أمر إغلاق قنصليّة هيوستن رسالة إلى بكين لوقف أنشطة التجسّس الاقتصادي، مؤكداً أنّها أساءت بشكل فاضح استخدام قدرتها على الدخول الحرّ والمفتوح إلى بيانات المجتمع الأميركي وتجاوزت الحدود في مسألة التجسس في القنصليات وسرقت 60 في المئة من المعلومات التجارية.تحالف بومبيو
وفي رد على دعوة بومبيو لتشكيل تحالف لمواجهة الحزب الشيوعي، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن واشنطن ستفشل في جر موسكو إلى حملتها الساذجة المعادية لبكين ودق الإسفين لتعقيد شراكة مبنية بينهما على علاقات خاصة.وعبرت زاخاروفا عن دهشتها من "نبرة بومبيو المستفزة"، لافتة إلى أنها ضمت "فظاظة أصبحت عادية بالنسبة للخطاب السياسي الخارجي للولايات المتحدة حول الصين وقيادتها ونظامها الاجتماعي السياسي".تسلّح فضائي
وبعد اتهام أميركي نفته روسيا باختبار سلاح فضائي مضاد للأقمار الصناعية، قررت الولايات المتحدة وروسيا إجراء أول محادثات رسمية ثنائية لأمن الفضاء منذ عام 2013 في فيينا غداً.وقال مساعد وزير الخارجية للأمن الدولي كريستوفر فورد إن الولايات المتحدة تعتقد أن روسيا والصين حولتا الفضاء بالفعل إلى "مجال للحرب"، مشيراً إلى أن قيادة الفضاء الأميركية لديها أدلة تثبت أن روسيا اختبرت سلاحها الفضائي في 15 يوليو الجاري.وبغض النظر عن نوعية القذيفة، تشكّل التطورات تصعيداً عسكرياً نادراً لواشنطن في الفضاء. وكانت حتى الآن قدرة قمر اصطناعي على مهاجمة آخر مجرّد فكرة نظرية.وكان بإمكان الولايات المتحدة وروسيا والصين، ومنذ 2019 الهند، استهداف الأقمار الاصطناعية بقذائف يتم إطلاقها من الأرض، لكن هذا النوع من التفجيرات يتسبب بملايين من قطع الحطام في المدار، مما دفع قوى العالم للامتناع عن القيام باختبارات كهذه.ويمكن اعتبار أن حادثة الأسبوع الجاري تحمل رسالة إلى واشنطن التي تؤسس في ظل ترامب "قوة فضاء" جديدة منضوية في جيشها. وشدد قائد قوة الفضاء الجنرال جاي ريموند، أمس الأول، على أن "الفضاء مجال لشن الحروب تماماً مثل الجو والبر والبحر".من جهة أخرى، رفضت أستراليا مطالبات بكين الإقليمية والبحرية في بحر الصين الجنوبي في إعلان رسمي للأمم المتحدة، لتنحاز أكثر إلى واشنطن في خلافها المتصاعد مع الصين.وفي إعلان قدمته الخميس، قالت أستراليا إنه "لا يوجد أساس قانوني" لعدة مطالبات صينية خلافيّة في البحر، بما فيها تلك المتعلقة بإنشاء جزر صناعية في المياه الضحلة والشعاب المرجانية.يأتي هذا بعد أن اعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن مساعي بكين للحصول على أراض وموارد في بحر الصين الجنوبي غير قانونية، ودعم مطالبات دول جنوب شرق آسيا ضد الصين.ويستبق التصعيد الأخير المحادثات السنوية بين أستراليا والولايات المتحدة، حيث يسافر وزراء إلى واشنطن لأول مرة منذ إغلاق الحدود الأسترالية بسبب فيروس كورونا.