شيوخ الكويت... الأشخاص أم المؤسسات أم كلاهما؟
تعيش الكويت هذه الأيام مرحلة مهمة، تبدو ملامحها في صراعاتٍ محتدمة بين كبار شيوخ الأسرة الحاكمة، بعضها يرتبط بمحاربة الفساد، حتى لو من حيث الشكل، وبعضها الآخر يتعلق بالبحث عن منصب أو زيادة النفوذ والسلطة.وهذه الصراعات أو حتى الآمال، رغم مشروعيتها، خصوصاً وسط حالات الإحباط والتردي التي تمر بها الكويت منذ سنوات، والتي تذيلت بها أدنى مستويات التنمية عالمياً، وتكشفت مؤخراً داخلها مستويات غير مسبوقة من الفساد و"الحرمنة" شملت مؤسسات وجهات يُفترض أنها مسؤولة عن تنمية المجتمع وتطوره وأمنه وصحته، فإنها تفتح الباب للتساؤل: هل الإصلاح الحقيقي بالكويت على كل مستويات السلطة والإدارة يمكن ربطه بشخص أو أشخاص لديهم رؤية، ويتصفون بالنزاهة، أم بمؤسسات دولة فاعلة أم بكليهما؟في الحقيقة يقدم لنا التاريخ- الحديث- على الأقل، نماذج، وإن كانت استثنائية، لشخصٍ غيّر حال بلاده إلى واقع مختلف، مثلما فعل لي كوان يو في سنغافورة، مقابل نماذج أكثر تطوراً لبلدان متقدمة اليوم بفعل جودة مؤسساتها، وتعويلها على جودة الإدارة ومفاهيم التنمية والمحاسبة، مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكوريا الجنوبية مقابل جارتها الشمالية، فضلاً عن أن أكثر دول العالم من ناحية الرفاهية كالنرويج وسويسرا وآيسلندا والدنمارك والسويد لا يكاد يعرف المرء فيها أسماء قادتها؛ لأن المؤسسات هي التي تدير وتقرر وتتولى بالفعل رسم السياسات وتنفيذها.
لقد عاشت الكويت خلال السنوات الماضية صراعات كثيرة داخل الأسرة الحاكمة، والتي يمكن أن تكون مقبولة لو كانت ضمن إطار الدولة كالتنافس الشريف، أو لنقُل المهني، بين الشيوخ في التطلع إلى منصب أكبر- وهذا حق مشروع- لكن ما حدث كان معاكساً، فدفعت مؤسسات الدولة الثمن ضريبة كبيرة بتقريب الفاشلين والانتهازيين، وبات وزن "الحرامية" ونفوذهم لا يفاجئان الرأي العام، وظهر لدينا ما يُعرف بالدولة العميقة في عدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.إن مشروع أي شيخ للصعود والترقي يجب أن يتجاوز بديهيات السمعة الجيدة أو النزاهة إلى تبني مشروع حقيقي يقي الكويت مخاطر المستقبل، ربما تتجلى ملامحه الأولى في: أولاً إصلاح مناحي الإدارة والسياسة وما يرتبط بهما من أوجه معالجة سلبيات النظام الانتخابي، واختيار القيادات في الدولة، وتنمية دور الشعب في الإدارة وسماع صوته ومطالبه وتفعيل حقوقه، بل وتوفير البيئة السياسية والاجتماعية الملائمة لرفع مستوى الوعي في المجتمع لمزيد من تطوير آليات الإدارة والسياسة. وثانياً تبني مشروع اقتصادي حقيقي وواضح مقابل واقعٍ تتردى فيه أوضاع الكويت المالية مع نفاد الاحتياطي العام، والتوجه إلى المس بصندوق احتياطي الأجيال، ومساعي دخول أسواق الدين العام دون أدنى خطة لإعادة هيكلة المصروفات المتنامية، فضلاً عن تحديات سوق العمل، والبطالة خلال السنوات المقبلة، وتعثر معظم الخدمات العامة من أبسطها؛ مشكلات الحصى في الشوارع، إلى تحول العلاج في الخارج من خدمة إلى تنفيع سياسي وانتخابي. ما ورد أعلاه من تحديات هو في حقيقته اختبار جدّي لأي شيخ يريد طريق الإصلاح، وفي الحقيقة لن يفلح أي شيخ ما لم يمزج صاحب الرؤية إرادته وتطلعاته بمشروع يعول على قوة المؤسسات الحكومية والمدنية، ويحسِّن آليات الإدارة العامة، ويطلق المشروع الاقتصادي الواضح، فالكويت اليوم بحاجة إلى "نفضة" تُغيّر واقعها، إن اجتمعت رؤية الشخص مع كفاءة المؤسسات، والبديل ليس دوراناً في حلقة مفرغة كالسنوات الماضية التي استترت فيها عورتنا بفوائض النفط، بل المزيد من الانحدار.